الجمهورية وخرافة الولاية..ضخامة التحدي في معركة مصيرية
اليقيناقتلاع مستجد للجمهورية، وإحلال صارم للخرافة؛ الولاية تلك هي المفارقة المفزعة التي صحا اليمنيون على أصدائها وهم يُجبرون من مليشيا الحوثي على إحياء ما تسميه "يوم الغدير" في الثامن عشر من ذي الحجة، بزعم أنه اليوم الذي نصت فيه رسالة الإسلام على تولية علي بن أبي طالب ونسله من بعده حتى هذا اليوم الذي يدعي الحوثيون أنهم من جينات ذلك الرجل والمقصودون بتلك التوصية، وعلى اليمنيين الإذعان والرضوخ امتثالاً وانصياعاً لثوابت عقيدتهم.
قوبلت طقوس الحوثيين الغديرية بموجة من السخط والاستهجان، وردة فعل عارمة يبذلها أصحاب الأقلام والأفكار يدحضون عبرها تلك الفكرة ويسوقون الحجج والبراهين التي تعيد الكرة إلى مجراها الأول، مثبتين زيف ذلك الادعاء قياساً على منظور الإسلام ورؤيته لنُظم الحكم وتاريخه الممتد منذ مرحلة خلافة أبي بكر. والمثير للغرابة أن إثبات افتراء ما تدعيه الحوثية بالأدلة واستقراء مصادر التشريع والتاريخ والسِيَر لا يضع حداً لتتراجع عن حماقتها أو تخفف من عصبويتها؛ لأنها صاحبة فكر أعمى وبصيرة شمطاء وقوالب خرافية معلبة يرونها لا تخضع للجدال ولا يليق بها الشك أو الرفض كونها من الثوابت الجذرية التي يتكئ عليها الدين وتضبط قوانين السياسة حسب اعتقادها.
وهنا تزداد أزمة اليمنيين تعقيداً درامياً، وسوداوية فجة إبان فقدانهم للجمهورية منذ أكثر من ثماني سنوات على يد فصيل سلالي يدعي أنه يسترد مجداً مؤثلاً وحقاً مستلباً، منذ أربعة عشر قرناً وهم يقاتلون على ما يعتبرونها أحقية مشروعة سنها لهم الدين الذي يؤمنون به والتبجيل الشاسع الذي يكيلونه لجدهم الأول، وقد مُنحوا فرصة على يد (آل علي) الحاضرين بينهم لتصحيح مسارات دينهم ودنياهم، والتمسك بحطام السلالة والانسياق لمتاهاتها وادعاءاتها!
والسؤال المشروع هنا: هل يعي اليمنيون ضخامة التحدي المنصوب أمامهم والخطر الذي يبعثر آمالهم ويشتت شملهم، وهم يصرخون منددين بالجمهورية والديمقراطية والحوار الوطني والتبادل السلمي للسلطة والانتخابات، لتصد كل هذه المسميات بجدار الولاية والاصطفاء والعرق الآري لنسل شخص حُصن بأفضلية واستحواذ على صلاحية تولي شؤون الحكم، فمن تقبل منطقهم ظفر بنعيم الآخرة، ومن أبى فمصيره قعر الجحيم؟!!
يوم الغدير خيط رفيع وسط كومة من المناسبات والشعائر والطقوس التي استعادها الحوثي من سلة مهملات التاريخ، مانحاً إياها الحيوية والتبجيل، إلى جانب كل التقديسات الباطلة المخترعة للشيعة التي يتخذها برهاناً لمشروعه السياسي وبرنامجاً يمحو من خلاله أطلال الجمهورية المغتصبة وكل ما ترسب منها في الذهن والواقع، فلا المكاسب التي نالها اليمنيون بفضل الجمهورية ستبقى، ولا تصورهم لها سيصمد مقابل التجريف والتطييف والتشيع الذي يستحوذ على حياتهم ويجتث حريتهم وكرامتهم؛ فقبل أيام تم تكديس دكاترة جامعة صنعاء في خمس حافلات للمضي بهم إلى معقل زعيم الحوثية في صعدة للاحتفال بخرافة الولاية رغماً عن أنف نخبويتهم ورقيهم المعرفي، وإذا كان هذا حال النخب فكيف بالعامة الذين هم وقود المعركة التي يخوضها الحوثيون في سبيل انتصار مشروعهم والظفر بسلطتهم الإلهية على اليمن وشعبه!
وعليه؛ فشتان بين غايتين: واقعية ملموسة، مشروعة ومجربة، وأخرى خرافية مزعومة، باطلة وفاشلة، الأولى جمهورية تستوعب الجميع والكل في نظرها سواسية وعبر أسسها ينال كائن من كان مشروعية في السلطة والوظيفة والقيادة؛ والثانية ولاية مزعومة اصطفت سلالة بعينها وفوضتها بالسلطة والسيادة وما دونها عبيد وخدم يطيعون تلك السلالة ويجردون من الجاه والمال والنفوذ، ويسبّحون بفضل السلاليين معظّمين أفعالهم وأقوالهم باعتبارهم الصلة بين الله وبينهم، ونوره الذي يقودهم إلى مدارب الهداية والإشراق وضوء الإسلام المختزل في خميرتهم الجينية.
والخلاصة من كل هذا: إذا استهنا بطبيعة المعركة الصراعية بين الجمهورية والولاية، وبتنا نعتبر أنها مجرد صراع سياسي بحت، وتقاسم نفوذ وأجندة بين أقطاب خارجية؛ فإننا نشنق أنفسنا بأيدينا ونوقع حكماً على هلاكنا المحقق ومأساتنا التي ستبتلع جيلنا وأجيالاً قادمة، بانعطافنا عائدين إلى زمن غابر نعيش كل مآزقه وصراعاته الدفينة ونزاعاته الدموية وسخافاته الموحشة، التي تُجمد العقل والعلم وتصنع الخرافات والشعوذات والهرطقات التي حجبت المسلمين قروناً عن التحضر والمعرفة.