الأخبار

هكذا قتلت قاسم سليماني ( القصه الكاملة )

اليقين

مقال رأي لكينيث ماكانزي القائد السابق للقيادة المركزية الاميركية في مجلة أتلانتك +

على أي تقييم لمستقبل الشرق الأوسط ان يتعامل مع حقيقة غير سارة تكمن في التزام إيران بتحقيق اهداف تهدد المنطقة ومصالح الولايات المتحدة. لقد أصبحت هذه الأهداف في متناول اليد الإيرانية مع نمو ترسانة الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الجوي، وتحسن التكنولوجيا الإيرانية الخاصة بالطائرات بدون طيار، وقد ظهر كل هذا في الشهر الماضي، عندما أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل. هذا الهجوم لم يؤد الى ازهاق اية أرواح، وهذا لا يعود الى دفاعات إسرائيل القادرة فسحب، بل الى المساهمات التي قدمتها القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها. لقد أظهر الهجوم أن الوجود الأمريكي المستمر في المنطقة أمر بالغ الأهمية لردع المزيد من العدوان، لكن سياستنا الحالية لا تستجيب لهذا الواقع، فقد تراجعت القدرات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل مطرد، مما شجع إيران، التي تعزز نفوذها في نفس الوقت الذي تراجع فيه الدعم الدولي لإسرائيل، كما أدت رغبة أميركا الواضحة في الانسحاب من المنطقة إلى تقويض علاقاتنا مع حلفائنا. يُظهر التاريخ الحديث أن الموقف الأمريكي القوي في الشرق الأوسط يردع إيران، وباعتباري قائدًا للقيادة المركزية الأمريكية، كنت أتحمل المسؤولية التشغيلية المباشرة عن الضربة التي قتلت قاسم سليماني، الجنرال القاسي المسؤول عن مقتل المئات من أفراد الخدمة الأمريكية. كانت إيران قد بدأت تشك في إرادة أمريكا، لكن سرعان ما اثبت الهجوم على سليماني عكس ذلك، حيث اجبر الهجوم، الذي وقع في أوائل عام 2020، قادة إيران على اعادة دراسة تصعيدهم الذي كان مستمرًا منذ أشهر ضد القوات الأمريكية، وهو الامر الذي أدى في نهاية المطاف الى انقاذ العديد من الأرواح كما اعتقد. لقد تغير الوضع في إيران، لكن ضربة سليماني تقدم درسا لم يتم الالتفات إليه، فقد تبدو إيران في بعض الأحيان كدولة لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، لكنها تحترم القوة الأميركية وتتفاعل مع الردع، فعندما ننسحب من المنطقة، تتقدم إيران، وحينما نثبت اقدامنا بعد ان نزن المخاطر ونستعد لكل الاحتمالات تتراجع طهران. إن حياة سليماني وموته هي شهادة على هذه القاعدة، التي ينبغي أن توجه سياستنا المستقبلية في الشرق الأوسط. يعد سليماني شخصية مركزية في التاريخ الحديث للعلاقات الأمريكية الإيرانية وأصبح على مدى ثلاثين عامًا الوجه الرئيسي للحرس الثوري الإيراني وهو فرع مستقل وبوضوح عن القوات المسلحة الإيرانية ومكلف بضمان سلامة الجمهورية الإسلامية. انضم سليماني إلى الحرس الثوري الإيراني في عام 1979، أي قبل عام واحد من غزو صدام حسين لإيران، واكتسب في الحرب التي تلت ذلك، سليماني سمعة باعتباره شجاعًا ومسيطرًا، وترقى إلى رتبة قائد فرقة بينما كان لا يزال في العشرينات من عمره. لقد خرج من الحرب العراقية الايرانية بازدراء مرير تجاه الولايات المتحدة، التي ألقى باللائمة على مساعداتها للعراق في هزيمة بلاده. أصبح سليماني في عام 1997 او 1998 قائدًا لفيلق القدس، وهي مجموعة نخبة داخل الحرس الثوري الإيراني تركز على العمليات غير التقليدية خارج حدود إيران، وكان سليماني شخصية لا يمكن الاستغناء عنها في تطوير هذه القوات، حيث اعتمد على الكاريزما التي يتمتع بها وطلاقته في اللغة العربية لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة. باعتباره قائدًا لهذه القوات، كان لسليماني خط اتصال مباشر مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وأصبح مثل ابن له، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء في عام 2011، وبحلول عام 2014 أصبح بطلاً في إيران، بعد أن كان موضوعًا لمقالة واسعة النطاق في مجلة نيويوركر. كثيرا ما كنت أسمع قصة ــ ربما ملفقة ــ عن مسؤول كبير في إدارة أوباما يسأل بحزن أحد مقدمي المعلومات الاستخبارية: "ألا تستطيع العثور على صورة لسليماني حيث لا يبدو فيها مثل جورج كلوني؟" ازداد غرور سليماني مع زيادة شهرته، كما أصبح دكتاتورياً، وتصرف في جميع أنحاء المنطقة في كثير من الأحيان دون استشارة كيانات الاستخبارات الإيرانية الأخرى، أو الجيش التقليدي، أو حتى الحرس الثوري الإيراني وهو المظلة الأكبر لقواته. لقد أيد بذكاء عودة القوات الأمريكية إلى العراق، مما دفع الولايات المتحدة إلى القيام بالمهمة الثقيلة المتمثلة في هزيمة تنظيم الدولة، ثم أخرجنا من العراق، فقتل أفراداً من القوات الأمريكية وقوات التحالف، فضلاً عن العراقيين والسوريين الأبرياء، بكفاءة مذهلة. لقد اعتقد سليماني انه رجل لا يمكن المساس به، فعندما سئل عن هذا عام 2019 أجاب "ماذا سيفعلون؟ سيقتلونني؟!". عندما انضممت إلى القيادة المركزية لأول مرة كجنرال شاب، شاهدت إدارة أوباما - وإدارة بوش قبل ذلك - تفشل في مواجهة الديناميكية والقيادة التي جلبها سليماني إلى القتال، وشاهدت أيضًا الإسرائيليين يحاولون مهاجمته دون جدوى، لذلك عندما توليت منصب قائد القيادة المركزية في مارس/آذار 2019، كان أول شيء قمت به هو الاستفسار عما إذا كانت لدينا خطة لضربه، إذا طلب منا الرئيس القيام بذلك وكانت الإجابة غير مرضية. لقد قمت بتوجيه قائد فرقة العمل الخاصة بالعمليات الخاصة المشتركة(JSOTF) التابعة للقيادة المركزية لتطوير الحلول وكانت منظمات أخرى مهتمة بسليماني أيضًا - بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية والشركاء الإقليميين - ورأينا أدلة على أن بعضهم مارس ضغوطًا على البيت الأبيض للتحرك ضده، وقد تمت مناقشة العديد من المخططات ووضعها جانباً، إما لأنها لم تكن مجدية من الناحية التشغيلية أو لأن التكلفة السياسية بدت باهظة للغاية لكنها تطورت في النهاية إلى خيارات مناسبة إذا وجهنا البيت الأبيض للتحرك. بعد مرور شهرين من ولايتي كقائد، واستمرارًا حتى منتصف ديسمبر 2019، تعرضت القواعد الأمريكية في العراق للقصف 19 مرة بقذائف الهاون والصواريخ، وكان من الواضح أن سليماني هو من يقوم بتنسيق الهجمات، وذلك بشكل أساسي من خلال شبكاته داخل كتائب حزب الله، وهي جماعة شبه عسكرية متطرفة في العراق. وبلغت سلسلة الضربات ذروتها مساء الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول، عندما تعرضت إحدى قواعدنا الجوية لقصف بنحو 30 صاروخاً وأصيب أربعة من أفراد الخدمة الأمريكية واثنين من أفراد الشرطة الفيدرالية العراقية، وقُتل مقاول أمريكي في الهجوم. كانت الهجمات التي سبقت هذا الهجوم قد استهدفت الازعاج او التحذير، لكن هذا الهجوم – الذي شن على منطقة مكتظة بالسكان في القاعدة - كان يهدف إلى إحداث خسائر جماعية، وكنت أعلم أنه يتعين علينا الرد. في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، تجمهر كبار موظفيي في مكتبي في تامبا، لمراجعة مجموعة من الخيارات التي كنا نعمل على تنقيحها لعدة أشهر. كنا نتوقع ان يطلب الرئيس او وزير الدفاع مجموعة من الخيارات للتعامل مع هذا الوضع وكانت سلطة تنفيذ الهجوم لا تأتي الا من الرئيس دونالد ترمب من خلال وزير الدفاع مارك أسبر. كان نملك هدفًا في اليمن كنا نبحث عنه لبعض الوقت ويتمثل في قائد فيلق القدس هناك كان له تاريخ طويل في تنسيق العمليات ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف، وشملت الأهداف المحتملة الأخرى سفينة جمع المعلومات الاستخبارية التي يقودها الحرس الثوري الإيراني في جنوب البحر الأحمر وتسمى "سافيز" بالإضافة إلى بطاريات الدفاع الجوي والبنية التحتية النفطية في جنوب إيران. بعد مناقشة جميع الخيارات بشكل مستفيض، أخبرت طاقمي بأننا سنوصي بضرب أهداف داخل العراق وسوريا فقط - حيث كنا نجري بالفعل عمليات عسكرية - لتجنب توسيع نطاق الصراع. شعرنا أن هناك أربعة "أهداف لوجستية" وثلاثة "أهداف شخصية" كانت مرتبطة بالضربة وكان اثنان من الشخصيات من الميسرين لكتائب حزب الله؛ والثالث كان سليماني. كنا ننوي ان نقدم خيارات إضافية ولكننا لم نوصي باتخاذ إجراءات تجاه الخيارات التي قدمناها في اليمن والبحر الأحمر والجنوب الإيراني. بحلول منتصف الصباح، كنت قد أرسلت توصياتي إلى الوزير إسبر عبر مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة وبحلول وقت متأخر من بعد الظهر، حصلنا على الموافقة لتنفيذ خياري المفضل: ضرب مجموعة متنوعة من الأهداف اللوجستية ولكن ليس سليماني أو الميسرين المتعلقين بكتائب حزب الله. كان موعد الضربة هو اليوم التالي، وبعد ذلك سيقدم إسبر وميلي إحاطة لترامب في مارالاغو، وقد أشار لي ميلي إلى أن ترامب قد لا يعتقد أن الهجمات كانت كافية. كنت أعرف كيف تجري تلك الاجتماعات بعد ان شاركت في عدد قليل منها وكانت لدي ثقة كاملة في ميلي وان بإمكانه أن يحافظ على نفسه في خضم الإحاطة الإعلامية الرئاسية، والتي غالبًا ما تضمنت الكثير من الآراء من العديد من الأشخاص، الذين لم يكن جميعهم على علم بالمخاطر الكاملة التي تنطوي عليها العملية أو تلك التي قد تنشأ بعد اكتمالها. ولأنني كنت أعلم أن الرئيس لا يزال مهتمًا جدًا بسليماني، فقد قمت مساء السبت بوضع تعديلاتي النهائية على ورقة حددت ما يمكن أن يحدث إذا اخترنا ضربه. لم يكن هناك شك في أنه كان هدفاً مشروعاً، وخسارته ستجعل اتخاذ القرار الإيراني أكثر صعوبة، وسيكون أيضًا مؤشرًا قويًا على إرادة الولايات المتحدة، التي كانت غائبة في تعاملاتنا مع إيران لسنوات عديدة، لكنني كنت قلقا للغاية بشأن الطريقة التي قد ترد بها إيران، فقد يكون للضربة تأثير رادع او يمكن ان تؤدي الى انتقام واسع النطاق. بعد دراسة متأنية، اعتقدت أنهم سوف يردون، ولكن ليس بعمل حربي، وهو الاحتمال الذي كان يقلقني لسنوات عديدة، غير ان الإيرانيين امتلكوا عددًا من البدائل التي يمكن ان تسبب لنا الألم. أرسلت الورقة إلى الوزير، وتم توجيهها الى الرئيس. لقد وصفت المخاطر التي يمكن ان ينطوي عليه قتل سليماني، الا اني لم اوصي بعدم قتله. لقد وجهنا ضربات كتائب حزب الله بعد ظهر يوم الأحد وحققنا نتائج جيدة بعد ان ضربنا خمسة مواقع في جميع أنحاء سوريا والعراق، كل ذلك خلال فترة أربع دقائق تقريبًا. في أحد الأماكن على الأقل، قمنا بقصف اجتماع لموظفي كتائب حزب الله، مما أسفر عن مقتل العديد من القادة الرئيسيين، وقد قمنا بتقديم بتقديم التقييمات الخاصة بالاضرار والتفاصيل الأخرى التي جمعناها من الهجمات الى اسبر وميلي وكانا في طريقهما الى مقر إقامة الرئيس في مارالاغو. قمنا بتجميع عرض تقديمي بسيط من شريحة واحدة استخدمه ميلي لإحاطة الرئيس. اتصل الرئيس ذلك المساء حاملاً تقريراً عن الإحاطة الإعلامية، وكما حذر ميلي، فإن ترامب لم يكن راضيا؛ لقد أمرنا بضرب سليماني إذا ذهب إلى العراق. كنت في مكتبي الخاص في منزلي عندما نقل ميلي هذا الطلب، وكان الموظفون مكتظين حولي، لكنني لم افتح مكبر الصوت، لذلك لم يتمكن أي منهم من سماع طلب الرئيس. تجمدت في مكاني لثانية أو ثانيتين، ثم طلبت منه أن يكرر كلامه.. وقد اكتشفت انني سمعت ما طلبه الرئيس بشكل صحيح. أخبرني ميلي أيضًا أن الرئيس وافق على توجيه ضربات إلى قائد فيلق القدس في اليمن وعلى السفينة الإيرانية سافيز في البحر الأحمر، وقال إنه كان هناك شعور في الاجتماع بأن هذه الضربات ستجلب إيران إلى طاولة المفاوضات. أستطيع أن أقول إن الرئيس لم يوافق على هذا الموقف، ولا أنا كذلك، فقد شعرنا أن الضربات قد تعيد الردع، لكننا لم نرى طريقًا لمفاوضات أوسع نطاقًا. عندما أنهينا مكالمتنا، كررت مرة أخرى لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة ما طُلب منا القيام به، وهو نتاج تلقي الأوامر طوال حياتي في ظل ظروف مرهقة، ثم اتصلت بعدد قليل من أعضاء فريق العمل الذين لم يكونوا متواجدين بالفعل للحضور الى اجتماع يعقد الساعة السابعة مساءً. تفاجئ الجميع قليلًا عندما ابلغتهم بالتعليمات التي تلقيتها للتو، حيث كنا نعلم جميًعا ما يمكن أن تترتب على هذه القرارات، بما في ذلك احتمال أن العديد من أصدقائنا على الجانب الآخر من العالم سيضطرون إلى الذهاب إلى النار، لكننا لم نملك الوقت الكافي للاستغراق في الامر والتوقف عنده طويلًا. كنت أعلم أنه يمكننا تنفيذ حكم الإعدام بسرعة على سافيز والقائد في اليمن، لكن سليماني كان هدفًا أكثر صعوبة. كنا قد وضعنا عددًا من الخيارات لضرب سليماني في كل من سوريا والعراق في الخريف الذي سبق مقتله، وقد كنا نفضل قتله في سوريا لان من شأن توجيه ضربة ضده في العراق أن يؤدي إلى تأجيج الجماعات الشيعية المسلحة، وربما يؤدي إلى رد فعل عسكري وسياسي قوي. كان يبدو في هذه اللحظة ان المخاوف التي شاركني فيها رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة قد تم تجاوزها. يتكون نوع الاستهداف الذي كنا نسعى إليه من ثلاث خطوات: البحث والتثبيت والإنهاء (التشطيب). إن العثور على الهدف هو علم، ولكن التثبيت - أي ترجمة كل ما نعرفه عن حركات الهدف وعاداته إلى نافذة ضيقة من الزمان والمكان والفرصة - هو فن، فيما تعتبر عملية التشطيب أيضًا فنًا: إصابة الهدف مع تقليل الأضرار الجانبية إلى الحد الأدنى المطلق. لقد قطعت حلول التثبيت والتشطيب التي قدمها سليماني شوطًا طويلًا منذ أن استفسرت عنها لأول مرة في الربيع. كنا نعلم الآن ان سليماني كان يهبط عادة في مطار بغداد الدولي حينما يصل الى العراق، ويتم نقله بعيدًا بسرعة، ولحسن الحظ كانت حركة المرور خفيفة في كثير من الأحيان على طريق الوصول الى المطار والذي عرفته أجيال من الجنود والطيارين ومشاة البحرية باسم "الطريق الأيرلندي"، وهو الاسم العسكري له خلال حرب العراق، وقد مات عدد لا بأس به من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف على هذا الطريق بفضل سليماني وأتباعه. يصبح جزء التثبيت من المعادلة معقدًا عندما يخرج سليماني من الطريق الأيرلندي ويدخل شوارع بغداد المزدحمة. كان من المرجح أن يؤدي ضرب سليماني في اللحظات التي تتلو نزوله من الطائرة إلى تقليل الأضرار الجانبية، وسوف نستخدم طائرة بدون طيار من طرازMQ-9 مسلحة بصواريخ هيلفاير لمهاجمة سيارته ومركبة مرافقته الأمنية. كما هو الحال مع العمليات العسكرية، كانت هناك قيود كبيرة من بينها ان طائرات MQ9من البقاء فوق المطار لفترة طويلة، لذلك كان علينا أن نعرف تقريبًا متى سيصل، وكنا نفضل تنفيذ الإعدام ليلاً، دون غطاء سحابي، لكننا كنا إلى حد ما تحت رحمة جدول سليماني. كانت لدينا معلومات تشير إلى أنه سيسافر جواً من طهران إلى بغداد يوم الثلاثاء الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول، وبعد الكثير من المناقشات، قررنا ضرب سليماني أولاً، ثم، في غضون دقائق، القائد العسكري في اليمن، حتى لا يسمع عن مقتل سليماني ويأخذ حذره. قررنا حفظ السفينة سافيز لوقت لاحق؛ حيث لم أكن متحمسًا لإغراقها (ولحسن الحظ، لم نكن سنضطر إلى ذلك). وفي هذه الأثناء، بدأت الاحتجاجات تتطور أمام سفارتنا في بغداد رداً على ضربات كتائب حزب الله، وكانت الصور مزعجة وبدا أنها تزيد من رغبة واشنطن في ضرب سليماني. لقد سلط شبح وقوع حادثة شبيهة بما حدث في بنغازي الضوء على كل ما قمنا به، فأمرنا جنودنا باتخاذ المزيد من إجراءات الحيطة والحذر ووضعنا طائرات حربية من طرازAH-64 في سماء المنطقة في استعراض للقوة. وازداد قلقي بشأن ما يمكن أن يحدث بعد أن ضربنا سليماني، فهل سيحفز ذلك الحشد على محاولة اجتياح السفارة؟ وكيف ستبدو علاقتنا مع الحكومة العراقية في أعقاب الهجوم؟ لقد شعرت أن مجلس الأمن القومي - الذي يضم وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي - كان يعمل في ظل وجهة نظر مفادها أن إيران لن تنتقم من الولايات المتحدة وحتى ميلي قال لي: "الجماعات الشيعية المسلحة سوف تصاب بالهلع، لكنني لا أعتقد أن إيران ستفعل أي شيء مباشر ضدنا"، ولكنني اختلفت معهم في ذلك، ويحسب للرئيس انهم فهم الحجج التي قدمتها، وتأكد من اننا مستعدون إذا حدث ذلك. ذهبت إلى مقر القيادة المركزية في وقت مبكر من يوم الحادي والثلاثين ديسمبر/كانون الأول، وهو اليوم الذي كنا نأمل فيه الضربة وانقضى الصباح ونحن ننتظر ظهور علامات تحرك سليماني على شاشتين ضخمتين معلقتين على الحائط البعيد حيث أظهرت احداهما سلسلة دوّارة من الصور بالأبيض والأسود من طائرات ام كيو ناين واظهرت الاخرى مئات الطائرات، بما في ذلك طائرات مدنية، التي كانت تعبر العراق وإيران. غادر سليماني منزله أخيرًا واستقل طائرة في طهران، على الرغم من أننا لم نكن متأكدين مما إذا كانت الرحلة مستأجرة أم تجارية. أقلعت الطائرة في حوالي الساعة 9:45 صباحًا بالتوقيت الشرقي في رحلة مدتها ساعتين إلى بغداد، وكنا مستعدين لها، حيث كانت طائراتنا تحلق في السماء وفي مواقع جيدة، لكن عندما اقتربت طائرته من بغداد، لم تهبط. كنت في اجتماع عبر الهاتف مع ميلي والوزير إسبر بينما شاهدناه يمر عبر المدينة على ارتفاع ثلاثين ألف قدم، وسألني أحد موظفي البنتاغون: "هل يمكنك إسقاط هذا اللعين؟" ودون أن أقرر تنفيذ الطلب، اتصلت بقائد القوة الجوية في قطر وقلت له "إذا أعطيتك أمرًا بإسقاط هذه الطائرة، هل يمكنك تنفيذ الأمر؟" واستجابت القوات الجوية بسرعة، وقمنا بنقل مقاتلتين إلى موقع خلف الطائرة. كان لدينا الآن خيار إنهاء المهمة إذا طلب منا ذلك، وقد عملنا بشكل محموم لتحديد ما إذا كانت الرحلة مستأجرة أم تجارية، وسرعان ما تبين أن الطائرة كانت متجهة إلى دمشق، وعلمنا أيضًا أن الطائرة كانت رحلة مدنية تأخرت كثيرًا، مما يعني أنه من المحتمل أن يكون على متنها خمسون شخصًا بريئًا على الأقل. لقد نصحت ميلي على الفور بأنه لا ينبغي لنا إطلاق النار، لان سليماني بالرغم من بشاعته، لا يستحق ذلك الحجم من الخسارة في الأرواح. لقد اتفقنا أنا وهو بسرعة على عدم القيام بالعملية في الوقت الحالي وانطلقت مقاتلاتنا، وبدأت الطائرة بالهبوط إلى دمشق، كما قمنا بسحب طائراتنا من مهمتنا في اليمن. أخذنا جميعًا نفسًا عميقًا وأعدنا النظر في خياراتنا، وقلت للموظفين والقادة في الساعة 10:48 صباحًا: "لا تزال هناك تعليمات من الرئيس وسنطلق رصاصة عندما يكون لدينا الهدف"، وكانت هناك مؤشرات على أن سليماني سيسافر من دمشق عائداً إلى بغداد خلال الـ 36 ساعة القادمة، أي ان لدينا فرصة أخرى. جاء يوم رأس السنة الجديدة، وكان لدي التزام في تامبا بتسليم كرة في احدى مباريات البيسبول وجاءت معي فرق الأمن والاتصالات. كان اليوم صافيًا تقريبًا؛ وتمنيت أن يكون ذلك في بغداد أيضاً. سارت المباراة بشكل جيد، إذا كنت من مشجعي مينيسوتا، بينما كنت من داعي اوبورن، لذلك كانت فترة ما بعد الظهيرة طويلة علينا. قبل نهاية الشوط الأول، تلقيت مكالمة من إسبر، وقضيت معظم النصف الثاني من المباراة على الهاتف معه ومع ميلي، جالسًا في حمام الجناح، ونتحدث عبر هاتف آمن بينما كان مساعد الاتصالات الخاص بي يقف خارج الباب، ممسكًا بجهاز واي فاي بيديه. اخبرتهما أن أحدث معلوماتنا الاستخباراتية تشير إلى أن سليماني سيغادر دمشق قريبًا، في وقت مبكر من اليوم التالي، وسيتوجه إلى بغداد، وانتهت المكالمة في الوقت المناسب بالنسبة لي لمشاهدة نهاية مباراة مخيبة للآمال للغاية. لقد كانت ليلة مضطربة. في اليوم التالي، ذهبت إلى مقر القيادة المركزية وبحلول وقت متأخر من بعد الظهر، بدأ التوتر يتصاعد. لقد تأخرت الرحلة التي كنا نتوقع أن يقوم بها سليماني لمدة ساعة، ثم أخرى وجلست بهدوء على رأس الطاولة وشربت كميات كبيرة من القهوة. الجميع ينظر إلى القائد في مثل هذه الأوقات؛ وكنت أعلم أن أي انزعاج من جهتي سيشعر به الجميع لكنني كنت واثقًا من أننا مستعدون، لكن أشياء كثيرة كانت خارجة عن سيطرتنا، وعلينا أن نكون مستعدين للتكيف. أصبحت الساعات التي لا تعد ولا تحصى التي قضاها الموظفون والقادة في التخطيط للطوارئ جاهزة الان لتؤتي ثمارها. ينقلب الزمن ضدك في هذه اللحظات حيث يصبح مضغوطًا وثمينًا، وأنت بحاجة إلى الاعتماد على العمل المنجز قبل أن يصبح الوقت السلعة الأكثر قيمة في الكون. أخيراً هناك حركة! وتم قيادة السيارة التي تقل سليماني إلى الطائرة في دمشق، حيث صعد من المدرج، وتراجعت الطائرة وتحركت للإقلاع. أقلعت الرحلة، وهي طائرة تجارية منتظمة، من دمشق الساعة الثالثة والنصف ظهرًا بتوقيت واشنطن واتصلت بالرئيس حيث سيقوم هو ووزيرا الدفاع والخارجية بمراقبة ما يجري من غرفة اجتماعات آمنة في البنتاغون، وسرعان ما ظهرت الطائرة على أنظمة التتبع لدينا، وشاهدتها وهي تزحف شرقًا. تذكرت خيبة أملنا قبل أيام قليلة، وراقبت الارتفاع عن كثب، ولحسن الحظ، بدأت الطائرة في الهبوط فوق بغداد، وهبطت الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والثلاثين مساء، قبل وقت قصير من منتصف الليل بالتوقيت المحلي. كان الجو غائما، وطارت طائراتنا من طراز ام كيو ناين على ارتفاع منخفض للحفاظ على الرؤية الواضحة، مما يعني أنه كان عليها في البداية البقاء على مسافة بعيدة لتجنب سماع صوتها أو رؤيتها. شاهدنا السلالم تُرفع إلى باب الكابينة الأمامي وفي الساعة الرابعة والدقيقة الاربعين مساءً، تأكدنا أنه سليماني. اتصل بي قائد فرقة العمل المشتركة JSOTF وقال: "سيدي، الأمور ستحدث الآن بسرعة كبيرة. إذا كانت هناك أي نية لوقف ذلك، فعلينا أن نتخذ هذا القرار الآن". كنت قد تلقيت الأوامر وانتهى الموضوع، فقلت له ببساطة "استثمر فرصتك عندما تحصل عليها". شاهدنا سليماني وهو يركب سيارة ويبتعد بجانب سيارة أمنية، وبدأت النقاشات بشأن اين يمكن استهدافه، على المنعطفات، ام في أماكن وقوف السيارات، ام الشوارع المؤدية الى الشارع الأيرلندي الرئيسي. كانت الساعة الآن 4:42 مساءً، وقد قمت بتمرير سلطة توجيه الضربة إلى قائد قوة العمل المشتركة JSOTFمنذ فترة طويلة، وقد قام بتمريرها أيضًا إلى الفريق الذي سيطلق الصواريخ. لقد علمتنا التجربة الصعبة أن تفويض هذه السلطة إلى أدنى مستوى ممكن في أقرب وقت ممكن يسمح لأولئك الذين لديهم أفضل معرفة بالوضع بالتصرف بسرعة، دون الرجوع إلى المقر الرئيسي. زادت سرعة المركبتين، وكانت عيون الجميع ملتصقة بالشاشات الكبيرة، ولم يتحدث أحد ثم ظهر وميض كبير من اللون الأبيض عبر الشاشة فجأة، وتطايرت قطع من سيارة سليماني في الهواء، وبعد ثانية أو ثانيتين، تم ضرب سيارة الأمن. لم يكن هناك هتاف، ولا ضرب بالأيدي، بل صمت فحسب، بينما كنا نشاهد السيارات تشتعل فيها النيران، وبعد دقيقة واحدة، هاجمنا مرة أخرى، وأسقطنا ثمانية صواريخ أخرى. يبدو أن العملية كانت ناجحة، ولكن لم نتمكن من تأكيد ذلك بعد. كان لدينا هدف آخر لنهاجمه، لذا تحول انتباهنا إلى اليمن، حيث نفذنا ضربة مماثلة على منزل معزول اعتقدنا أن قائد فيلق القدس يتواجد فيه، وقررنا لاحقًا أننا فقدنا الهدف، لكن توقيت الضربتين - بفارق 13 دقيقة - كان إنجازًا رائعًا. سرعان ما أصبح من الواضح أننا حصلنا على سليماني. كنت في المنزل حوالي الساعة التاسعة مساءً، عندما بدأت التقارير الإخبارية الأولى في الظهور، عندها فقط أصبح لدي الوقت للتفكير فيما حدث. قرار ضرب سليماني اتخذه ترامب، الذي كان يتلقى معلومات من مستشاريه مفادها أن إيران لن تنتقم، وهو رأي لم يشاركه فيه أحد في القيادة المركزية أو في مجتمع الاستخبارات. هذا لا يعني أن الضربة لم تكن مبررة؛ بل اننا لم نكن متفائلين بشأن العواقب. أعتقد أن الرئيس اتخذ القرار الصحيح في النهاية، ولو لم يتم إيقاف سليماني، لكان من الممكن فقدان المزيد من أرواح القوات الأمريكية وقوات التحالف والعراقيين كنتيجة مباشرة لقيادته. أعتقد أنه من المحتمل حدوث المزيد من الهجمات في المستقبل القريب، ولم يكن سليماني يعتزم القيام بهذه المهام بنفسه، لكنها ستتبع حتماً رحلته إلى العراق وكان خطر التقاعس عن العمل أكبر من خطر العمل. لقد شككت إيران في قدرتنا على إظهار مثل هذه القوة، ولسبب وجيه، بعد ان لم نظهر قوتنا لإيران مطلقًا طوال ادارتين على الأقل، والآن، ولأول مرة منذ سنوات عديدة، شهدت إيران القوة الهائلة للولايات المتحدة، وكان على طهران أن تعيد حساباتها. لقد استمرت الهجمات الإيرانية على نطاق ضيق، لا سيما تلك التي لا يمكن نسبها مباشرة إلى إيران، لكن التوجيهات العملياتية لكل من القوات الإيرانية ووكلائها قد تغيرت وأصبحت تقول: تجنبوا الهجمات الكبرى على القوات الأمريكية.. وكانت هذه لحظة فاصلة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران. لقد أظهرت ضربة سليماني نوعًا من التصميم الذي كان غائبًا مع إيران منذ فترة طويلة عن السياسة الأمريكية، وهو الامر الذي تكرر الشهر الماضي، عندما هاجمت إيران إسرائيل حيث واجه التدخل الأمريكي العدوان الإيراني. إذا كنا نخطط للبقاء في الشرق الأوسط، فيجب علينا أن نكون مستعدين لإظهار نفس التصميم. إن خطر التصعيد أمر لا مفر منه ولكن يمكن التحكم فيه؛ وإن رفض قبول هذا الخطر هو الذي أعاق سياستنا لفترة طويلة. إن الدروس المستفادة من ضربة سليماني واضحة، ويجب ألا ننساها: الإيرانيون سيحترمون قوتنا وسوف يستغلون ضعفنا.

الأخبار

آخر الأخبار