الأخبار

قرارات ترامب التلقائية أضعفت الولايات المتحدة الأمريكية

اليقين

جعلني ريتشارد بولينغ، الباحث في الكونغرس الأمريكي، الذي ينتمي للجيل القديم، أدرك على اعتباري صحفيا شابا، أن السياسة مثل شبكة خيوطها ضعيفة، كل قرار من شأنه أن يؤثر على بقية القرارات. من المؤسف أن تلك المشرعة من ميزوري غير موجودة بيننا الآن حتى تقدم الاستشارة لصالح دونالد ترامب. فقد أبدا هذا الرئيس في الأيام الأخيرة تجاهلا تاما للخطر المحدق بنا، حيث أقدم على إنهاء الاتفاقية التجارية مع كوريا الجنوبية. فضلا عن ذلك، دفع ترامب إدارته إلى وقف العمل بالأمر الصادر عن إدارة أوباما الذي يهدف لحماية المهاجرين الشبان، الذين قدموا إلى هنا هربا من الوضع المزري في بلدانهم.

حتى وإن كنت من أكثر الأشخاص حرصا على حماية المجتمع الأمريكي، إلا أن إلغاء الاتفاقية التجارية مع كوريا الجنوبية والصين، في وقت تشتد فيه حاجة الولايات المتحدة للتعاون مع كلا البلدين لوقف الخطر النووي الكوري الشمالي، يعد أمرا غير مقبول. وفي الأثناء، يعتبر هذا التهديد الخطر الأبرز على الصعيد العالمي منذ أزمة الصواريخ الكوبية.

حتى وإن كنت من أكثر الأشخاص معارضة للهجرة، مثل النائب العام جيف سيشنز، إلا أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العمال الذين لا يملكون وثائق ثبوتية في هذا التوقيت، يعد أمرا غير مقبول البتة، خاصة وأن هناك حاجة ملحة لهم لإعادة بناء ما خلفه إعصار هارفي من دمار. على العموم، تعد كل هذه الإشكاليات شديدة الترابط فيما بينها، في حين أن الرئيس لم يدرك ذلك فعليا. عموما، أن تكون حاكما لا يعني أن تقود البلاد بشكل عشوائي.

 الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية تهديدات مباشرة من قبل كوريا الشمالية، عمد ترامب إلى المساس بالاتفاقيات المبرمة مع الصين وكوريا الجنوبية. وفي الأثناء، قد يؤدي ذلك إلى خلق انقسام داخلي في سيول، ما من شأنه أن يزيد من تعقيد سبل التعاون الصيني حول أزمة شبه الجزيرة الكورية. في الحقيقة، ما فتئ النظام الكوري الشمالي، المنشق عن السرب، يقوم بالعديد من التجارب النووية والصاروخية.

من جانبه، أفاد إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا، وهي مؤسسة متخصصة في دراسة المخاطر السياسية والاستشارات، أنه في حال واصل ترامب تهديداته، الآن، فيما يتعلق بالاتفاقات التجارية، فسيعرض الترتيبات الأمنية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية للخطر في حين سينمي ذلك من قوة الصين في المنطقة. وفي الوقت الذي يتسم فيه ترامب وكيم جونغ أون، ديكتاتور كوريا الشمالية، بالقدرة على المراوغة، إلا أنهما ومن خلال قراراتهما الارتجالية، ساهم في تعقيد الأزمة، التي ما فتئت تنحدر نحو الهاوية.

أما فيما يتعلق بالمهاجرين، تفاقمت نسبة طرد العمال الأجانب الذين لا يحملون وثائق ثبوتية، على خلفية قرار ترامب بوقف العمل بمشروع أوباما الذي يهدف إلى حماية أطفال المهاجرين. وفي غضون الأشهر الستة القادمة، سيعمل الكونغرس على تمرير تشريع في شأن المنتفعين ببرنامج داكا. وفي الأثناء، سرت موجة من الخوف في أوساط المهاجرين، في الوقت الذي عمد فيه البعض إلى التواري عن الأنظار.

في الواقع، ستؤثر هذه الإجراءات بشكل مباشر على جملة من المجالات الصناعية، بما في ذلك البناء، نظرا لأن العمال الذين لا يحملون وثائق رسمية يعتبرون الأكثر إقبالا على القيام بالأعمال الشاقة. وفي هذا الصدد، أكدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث أن 15 بالمائة من عمال البناء يندرجون ضمن الأشخاص غير الحاملين للوثائق الرسمية. من جانبها، أعلنت شركات البناء أن عدد عمالها قد انخفض بشكل ملحوظ.

في ظل الوضع الكارثي الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية إعصار هارفي، الذي خلف دمارا قد يكلف خزينة الدولة 200 مليار دولار من النفقات في إطار مشاريع إعادة البناء، علما وأن البلاد على أبواب مواجهة إعصار، إيرما، القادم بسرعة من الكاريبي. وعلى الرغم من أن الكونغرس قد سارع بالإقرار بالأموال المرصودة لكارثة هارفي، إلا أن شح اليد العاملة من شأنه أن يعيق جهود إعادة البناء.

والجدير بالذكر أن المهاجرين قد لعبوا دورا هاما في إعادة بناء نيو أورليانز فضلا عن ضفاف خليج مسيسيبي، عقب إعصار كاترينا الذي ضرب البلاد سنة 2005. في المقابل، قد يستغرق التكفل بهذه المهمة في هيوستن وتكساس الكثير من وقت، بسبب الاحتقان الشائع بين المهاجرين في  الوقت الراهن، تحت حكم ترامب، الأمر الذي كان أقل حدة في عهد الرئيس جورج بوش.

من جهته، صرح محافظ نيو أورليانز، ميتش لاندريو، الذي لم يكن موجودا عندما ضرب إعصار كاترينا البلاد، ولكنه أشرف على عملية إعادة البناء، مؤكدا أهمية اليد العاملة من المهاجرين: "لقد تمت إعادة بناء نيو أورليانز في وقت قصير جدا، الأمر الذي ما كان ليتحقق لولا مساعدة المهاجرين". وأضاف لاندريو أن "العديد من المهاجرين مكثوا هنا وأصبحوا جزءا من هذا المجتمع".

المصدر: بلومبرغ

الأخبار

آخر الأخبار