الانتخابات الفرسية : ستة ايام لموعد الدورة الاولى ولوبين تتصدر اول القائمة
اليقين
ستة أيام الفرنسيين عن موعد الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية للعام 2022، المقررة يوم الأحد المقبل. ويختار الفرنسيون رئيسهم المقبل من بين 12 مرشحاً، على رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، زعيم حزب "الجمهورية إلى الأمام"، والذي أعلن متأخراً سعيه لولاية ثانية، فيما يواصل مرشحا اليمين واليسار التقليديين، الوزيرة السابقة عن حزب "الجمهوريين" فاليري بيكريس وعمدة باريس الاشتراكية آن هيدالغو، التراجع في استطلاعات الرأي، ومعهم مرشح الخضر يانيك جادو.
وكالات
ويأتي هذا التراجع على حساب تقدم المرشحين الاثنين عن اليمين المتطرف، زعيمة حزب "التجمع الوطني" مارين لوبن، واليسار الراديكالي (فرنسا غير الخاضعة) جان لوك ميلانشون، فيما فقد مرشح اليمين المتطرف الآخر، الصحافي المثير للجدل إريك زيمور، زخم بدايات حملته الانتخابية، خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
ويعكس تراجع الحزبين الجمهوري والاشتراكي المتواصل، وتقدم لوبن في استطلاعات الرأي، وميلانشون إلى المرتبة الثالثة متخطياً جميع مرشحي اليسار الآخرين، استمرار تبدل الديناميات السياسية في فرنسا، وغضب الأرياف التي تشعر بالتهميش من النخبة السياسية التقليدية، مع تركيز الناخبين على القضايا المُجتمعية والاقتصادية التي أفرغت الأحزاب التقليدية من أيديولوجيتها العميقة. وتتصدر مسألة القدرة الشرائية هموم الفرنسيين اليوم، مع تصاعد الحرب في القارة وتداعياتها، وهي مسألة يحاول المرشحون الإجابة عليها، نظراً لأنها تستنفر شرائح وازنة في المجتمع، وبإمكانها تحفيز المترددين للتصويت.
وتمكن ماكرون ولوبن خصوصاً، بخلاف المرشحين الآخرين، من امتصاص صدمة الحرب الأولى، وتطويع خطابهما ليتلاءم مع اهتمامات المواطنين وأولوياتهم. وتحاول زعيمة اليمين المتطرف، بشكل خاص، بعدما تمكنت من تحييد السجال حول مواقفها السابقة وعلاقاتها القريبة من سيّد الكرملين الروسي فلاديمير بوتين، أن تثبت أنها باتت رقماً صعباً في المعادلة السياسية الفرنسية، وقادرة على الوصول إلى الإليزيه، حتى مع حاجز "الدورة الثانية" التي حرمت والدها جان ماري لوبن من تحقيق هذا الهدف.
وفيما يعدّل ماكرون استراتيجيته لمواكبة هذا الصعود لمنافسته الأساسية في استطلاعات الرأي، والذي أصبح مقلقاً لفريقه مع اقتراب موعد الدورة الأولى، تشي أرقام الاستطلاعات التي يتنبأ بعضها بفوز الرئيس بالدورة الثانية، لكن بفارق ضئيل عن زعيمة "التجمع الوطني"، بأن لوبن قد حقّقت إنجازاً حتى الآن، بعيداً عن نتيجة الاقتراع، وتمكنت من فرض نفسها في مجتمع اليمين الفرنسي، الذي يواصل فيه اليمين التقليدي التماهي مع طروحات اليمين المتطرف.
وتعوض لوبن، التي روّضت خطابها ليصبح أكثر اعتدالاً مقارنة مع زيمور، وابتعدت عن التركيز على ملف المهاجرين خلال الأسابيع الماضية، لصالح همّ القدرات الشرائية، في ظلّ موجة ارتفاع في الأسعار استثنائية في أوروبا، عن نكسة حزبها في الانتخابات المحلية السابقة، ومغادرة بعض رموزه لدعم زيمور، ما كان بإمكانه أن يهدّد زعامتها الحزب. ويمنح هذا الاستحقاق لوبن، بغض النظر عن نتيجته، زخماً كبيراً، مع تحضر "التجمع الوطني" للانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/حزيران المقبل.
وأثبتت تطورات الأيام القليلة الماضية أن لا مكان للاستنتاجات المتسرعة في رئاسيات فرنسا 2022. فقبل 6 أيام من موعد الدورة الأولى، يواصل ماكرون تصدر نوايا التصويت في الدورتين الأولى، والثانية التي تنظم في 24 إبريل/نيسان الحالي، ولكن بفارق لم يعد بعيداً عن مرشحة اليمين المتطرف، التي وصلت في بعض استطلاعات الرأي إلى حدود 45 في المائة من الأصوات في الدورة الثانية، وهي نسبة قد تمنح ماكرون الفوز، لكن بفارق نقاط معدودة عن منافسته.
ولهذا السبب، التقى ماكرون، أول من أمس السبت، أنصاره في مسرح أرينا في منطقة نانتير، غربي فرنسا، في أول تجمع انتخابي له منذ إعلانه الترشح لولاية ثانية، وقد خلع عنه بذلة الرئيس – المرشح، الذي رأى الإعلام الفرنسي أنه ضمّ إليها بذلة الرئيس – قائد القوات المسلحة، مع تصاعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وترخي الحرب الدائرة في شرق أوروبا بثقلها، فعلياً، على حملة الرئاسيات في فرنسا، في ظلّ القلق المتصاعد من غلاء المعيشة، الذي كانت قد بدأت علاماته قبل الحرب، لكنه يواصل اليوم ارتفاعه، ما بات يفرض على الفرنسيين تعديل الكثير من أنماط حياتهم.
وتمكنت مسألة "القدرة الشرائية" من حجب مسائل أخرى كان يعول ماكرون على استغلالها، مثل تراجع الإصابات بفيروس كورونا، وصعود نجم زيمور وخطابه العنصري لفترة وجيزة. ولهذا السبب، ركّز ماكرون في مسرح أرينا، في خطابه الذي ألقاه أمام 30 ألف شخص، يتصدرهم وزراء حكومته، على القدرات الشرائية للفرنسيين، متعهداً بمضاعفة "مكافأة ماكرون" ثلاث مرات "اعتباراً من الصيف" المقبل، ما يعني أنها يمكن أن تصل "إلى 6 آلاف يورو من دون رسوم أو ضرائب".
كما أبدى ماكرون تأييده لأن يكون الحد الأدنى لمعاشات التقاعد 1100 يورو لمن أكملوا مسيرتهم المهنية حتى نهايتها، إضافة إلى توظيف 50 ألف مقدم رعاية وممرضة للاعتناء بالمسنين. لكنه شدّد على أنه "لا مال سحرياً" من أجل "تمويل كل هذا"، مكرراً رفضه زيادة الضرائب وتعميق الديون.
وأضاف الرئيس الفرنسي، الذي يريد رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً تدريجياً بحلول عام 2032، أنه "سيتعين علينا العمل أكثر وقبل كل شيء لفترة أطول، لأننا نعيش فترة أطول". وحاول ماكرون، الذي تعتبره فئة من الفرنسيين "رئيس الأغنياء" لارتباطه بأوساط المال، تسليط الضوء على بعض إنجازاته التي تحاكي هموم ناخبي اليسار، والتي تخصّ الطلاب والعائلات وقطاع الصحة.
وهاجم ماكرون مرشحَي اليمين المتطرف من دون تسميتهما. وفي إشارة إلى لوبن، قال الرئيس أمام مناصريه: "هؤلاء المرشحون يستطيعون الخروج من منطقة اليورو في الصباح، والعودة إلى أوروبا في الليل. برنامجهم يضّر بالمدخرين الصغار، وسيقود إلى الانهيار. بعضهم يقولون عن أنفسهم إنهم وطنيون عبر تمويل مشاريعهم وحزبهم من الخارج".
ومن دون أن يسّمي زيمور أيضاً، هاجم ماكرون دعاة "التقزم العظيم"، في إشارة إلى نظرية "الاستبدال الكبير" التي يروج لها الأخير، وهي نظرية المؤامرة التي ترى أنه يجرى استبدال السكّان الأوروبيين بآخرين مهاجرين.
وفي خضمّ حملته التي تقلصت بعد انشغاله بحرب أوكرانيا، والمشحونة بالقلق، يضيف السجال الناشئ عن كشف معلومات تفيد بلجوء السلطات العامة، بشكل مكثف في عهد ماكرون، إلى خدمات مكاتب استشارات خاصة (سجال شركات ماكنزي)، وآخر حول ممتلكاته الشخصية، قلقاً إضافياً للرئيس، الذي عليه أن يسعى كذلك، في الأسبوع الأخير قبل الاستحقاق، إلى تغيير صورة نمطية عرفت عنه، كالرئيس المتعجرف، أو المتكبر، وتعزيز التحشيد خشية ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت، ما قد يصّب في مصلحة منافسته.
من جهتها، خففت لوبن من حدة خطابها المعادي للمهاجرين، متنقلة بين الأرياف، حيث ثقل القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف واليسار الراديكالي على حدّ سواء، واعدة إذا ما تمكنت من الفوز بالرئاسة بتخفيض الضرائب، والخروج "الناعم" من الاتحاد الأوروبي، وتوظيف إضافي في الدوائر الحكومية.