تلاميذ اليمن.. مقاعد شاغرة وحقائب فارغة ومعلمون بلا رواتب!
تحليل: أحمد التلاوي اليقيناستقبلت اليمن قبل أيام قليلة موسمها الدراسي الرابع في ظل الأزمة الراهنة التي تلت اقتحام الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء والمدن الرئيسية في اليمن، في سبتمبر 2014م، والحرب التي بدأتها الرياض على اليمن، في مارس من العام 2015م.
وفي حقيقة الأمر؛ فإنه لو أراد العالم الاطلاع على حجم المأساة التي قادت إليها الحرب والانقسام السياسي في اليمن، والمفروض من أطراف خارجية لأمانة القول؛ فإنه يكفيه أن يطالع الصور التي تداولتها مصادر إخبارية ونشطاء يمنيون ودوليون استطاعوا النفاذ إلى مناطق الحرب في اليمن لما يتعلق بحالة التعليم في هذا البلد الحضاري القديم.
من بين أسوأ هذه الصور، صور تبادلتها وسائل إعلام يمنية لفصول يجلس فيها التلاميذ، وقد أحدثت القنابل والصواريخ فيها فجوات ضخمة، وقد جلس الأطفال على مناضد خشبية بسيطة يتلقون العلم من معلِّم محترم يؤدي واجبه الوطني والإنساني من دون راتب منذ أكثر من عام، ومن دون كتب دراسية، بل ولا يجدون بعض أقرانهم من الأطفال الذين استُشهِدوا في الحرب.
هذه الصورة من المفترض أنها تهز الضمير العالمي؛ لكن يبدو أن ضميرنا العالمي هذه الأيام، يتبع السياسة الإقليمية والدولية الظالمة.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن هذه الصياغة للكلمات ليست عاطفية؛ إنما هي مستندة على حقائق موضوعية على الأرض.
وأول معالم هذه المأساة، هو أن الانقسام السياسي في البلاد قد طال قطاع التعليم، سواء فيما يتعلق بالمناهج أو توقيت بدء الدراسة بين المناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وإن اشترك الجميع في ذات المشكلات.
الموسم الدراسي الجديد.. عودة من دون عودة!
بدأت الدراسة في مدارس المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي، في السابع عشر من سبتمبر، بينما بدأت في مناطق الحوثيين يوم 30 سبتمبر، وبمناهج مختلفة، كان فيها بعض الأبعاد الطائفية المتعلقة بالمذهب الشيعي، لاقت انتقادات صريحة من جانب بعض اليمنيين في الداخل والخارج.
اشترك الجميع في أن الكثير من المدارس كانت بلا مُعَلِّمين، وبلا كتب دراسية، وحتى من حضر من المعلِّمين إلى المدارس؛ لم يتلق راتبه منذ حوالي عام.
ويرى كثير من العاملين في هذا الحقل أن المعوقات التي رافقت بدء العام الدراسي الجديد؛ تهدد بالفعل بتوقف الدراسة، ولاسيما في المناطق الأكثر معاناة من الحصار والقصف، مثل تعز، مع حرمان ملايين الطلاب من الحد الأدنى من خدمات التعليم في مناطق أخرى من اليمن.
وفي تصريح له، لوكالة "الأناضول"، ذكر أحمد البحيري، رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي (وهو مركز غير حكومي، مقره في "تعز") أن التحديات التي تواجه التعليم في اليمن "كثيرة ومتداخلة"، وذكر أن أهمها توقف صرف رواتب المعلمين؛ حيث مشف عن توقُّف صرف رواتب سبعين بالمائة من المعلِّمين منذ نحو عام، وقال إن ذلك يهدد العملية التعليمية في 13 محافظة يمنية بالانهيار الكامل، وجعل بالفعل حوالي 4.5 ملايين طالب وطالبة مهددين بالحرمان من تلقي الخدمات التعليمية.
وزاد من عمق المشكلة، الإضراب الذي أعلنت عنه النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية اليمنية، في السابع والعشرين من يوليو الماضي، وأكدت عليه قبيل بدء العام الدراسي الحالي، وبالذات في مناطق سيطرة الحوثيين، في العاصمة صنعاء ومدن رئيسية أخرى.
كان من المفترض أن تتوصل النقابة مع الحوثيين والسلطات في صنعاء إلى اتفاق لفك الإضراب قبل بدء العام الدراسي، ولكن ذلك لم يتم، وقالت النقابة في بيان لها، يوم 28 سبتمبر، إنه الإضراب "كان خيارًا اضطراريًّا، بعد أن وصل التربويون إلى حالة معيشية مأساوية لا يستطيعون تأمين أبسط متطلبات الحياة، ولا يقدرون حتى على الوصول إلى مدارسهم ومقرات أعمالهم، بعد أن باعوا كل ممتلكاتهم وأثاث بيوتهم أَثناء عام كامل مر بدون مرتبات في الوقت الذي تصر مليشيا الحوثي على رفض صرف المرتبات".
لكن هذه المشكلة تتراجع في المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي لكي تفسح المجال أمام مشكلة أخرى، وهي مشكلة العجز الحاد في الكتب المدرسة.
وهذه المشكلة ذات أكثر من بُعد. أول أبعادها، أن المطابع المركزية للكتب المدرسية، وخصوصًا الصفوف الستة لمرحلة التعليم الابتدائي؛ في العاصمة صنعاء، وهي تحت سيطرة الحوثيين منذ سبتمبر 2014م.
وبالتالي؛ فإن الكتب المدرسية لا تصل إلى مناطق الحكومة اليمنية بشكل كامل، وما وصل منها تم حرقه بسبب التعديلات التي أدخلها الحوثيون عليها، وتمت طباعة جزء فقط من احتياجات هذه المناطق، في مطابع موجودة في مدينة المُكَلَّا.
وزاد من حجم المشكلة في هذه المناطق، هو أن هناك طلابًا نازحين من مناطق أخرى في اليمن، إلى مناطق أكثر أمنًا، مثل محافظة "مأرب"، وهو ما قاد إلى ضغوط كبيرة على المدارس والمرافق التعليمية فيها، ووصلت نسبة الزيادة في مستوى النزوح الطلابي هذا، إلى حوالي 120 بالمائة هذا العام، في ظل مشكلات نقص حاد قائمة أصلاً في الكادر التعليمي والمباني والأثاث المدرسي.
المجتمع المدني والتعليم الأهلي.. عجز إضافي!
أثار الكاتب والأكاديمي حسن مريدي مشكلة أخرى في تدوينة له، وهي عدم قدرة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية اليمنية على القيام بواجباتها؛ حيث إنه يشير إلى أن انتشار الفقر وغياب البنية التحتية السليمة، مع الظروف الأمنية المتردية، ودمار البنية التحتية بسبب الحرب، وبالذات الطرق؛ كلها ظروف حالت دون أن تقوم المؤسسات الأهلية بدورها في هذا الصدد.
وفي ظل عمومية الظروف التي يحياها اليمن؛ لم يستطِع التعليم الأهلي ومؤسساته تقديم البديل الفعال.
فحتى في محافظة عدن، والتي تقول الحكومة إنها تعيش استقرارًا نسبيًّا عن محافظات يمنية أخرى؛ يشكو القائمين على التعليم الأهلي من ذات المشكلات التي تواجه نظرائهم في المدارس الحكومية، مثل تدهور الأوضاع الأمنية، ونقص الكتب المدرسية، ونقص الوقود، مع تراجع اهتمام المجتمعات المحلية بالثقافة والتعليم، في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد، لصالح مشكلات أخرى، مثل نقص فرص العمل، وشح الطعام والدواء.
وبحسب مدير عام الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم في صنعاء، إسماعيل زيدان؛ فإن التعليم الأهلي أيضا تضرر بحوالي 55 مليون دولار نتيجة لقصف وتدمير مدارس أو إغلاقها، وفق أرقام تعود إلى فبراير 2017م.
أرقام حور الحرب وأثرها على الأطفال والتعليم في اليمن
في مارس الماضي، أصدر صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" تقريرًا عن أثر الحرب على قطاع التربية والتعليم في اليمن، كشفت فيه عن أن هناك أكثر من مليون وستمائة ألف طفل في سن التعليم خارج المدارس بسبب الحرب التي قالت إنها حرمت أكثر من 350 ألف طفل آخرين من الحصول على فرصة تعليمية.
وقالت المنظمة إن هناك حوالي مليونَيْ طفل خارج التعليم من إجمالي سبعة ملايين و300 ألف طفل في سن التعليم في كافة محافظات اليمن، وحذَّرت من أن "جيلاً كاملاً مهددًا بالضياع ما لم يتم إيقاف هذا الصراع، ويحصل كافة أطفال اليمن على حقوقهم في التعليم".
وبالعودة إلى الأرقام التي طرحها زيدان في فترة قريبة من صدور تقرير "اليونيسيف"؛ فإن هناك أكثر من 2306 مدرسة ومنشأة تعليمية، تضررت منذ بدء الحرب في اليمن، بين أضرار كلية وجزئية، في مختلف المحافظات اليمنية، بجملة خسائر وصلت إلى حوالي 400 مليون دولار.
وخالف زيدان بعض الشيء تقديرات "اليونيسيف" فيما يتعلق بنسبة التسرب من التعليم؛ حيث ذكر أن النعدد وصل إلى نحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة، وأنه قد تم إغلاق 1700 مدرسة بشكل نهائي، بسبب وقوعها بالقرب من منشآت عسكرية.
وذكَّر أن عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى سقطوا في أوساط المعلمين والطلاب، بجانب الأضرار النفسية والمعنوية التي لحقت بملايين آخرين بسبب ظروف الحرب وقطع الرواتب.
وفي الأخير؛ فإن قطاع التعليم في اليمن بحاجة إلى انتباه من جانب المؤسسات الحقوقية والعاملة في المجال الإغاثي، سواء اليمنية أو الدولية، باعتبار أنها ترقى إلى مستوى جريمة الحرب، وتكشف أكثر من غيرها – مثلها مثل أزمة نقص الدواء وتفشي الكوليرا – عن الوجه الحقيقي لآثار الحرب المجهولة في اليمن!..