محمد صلاح .. قروي بسيط يحصد جائزة «كاف» وصدارة نجوم ليفربول
متابعات اليقينفاز المصري محمد صلاح، لاعب ليفربول الإنكليزي، بجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 2017، في حفل توزيع جوائز “كاف”، الذي أقيم مساء الأربعاء الماضي في العاصمة الغانية أكرا.
ويعد صلاح ثاني لاعب مصري يفوز بالجائزة بعد محمود الخطيب، لاعب النادي الأهلي السابق ورئيس مجلس إدارته الحالي، وحققها عام 1983، وكان اسمها جائزة الكرة الذهبية الأفريقية وتقدمها مجلة فرانس فوتبول الفرنسية.
لاعب ليفربول الشاب حصد الجائزة بعد منافسة مع زميله في الفريق ساديو ماني من السنغال والغابوني بيير إيميريك أوباميانغ لاعب بروسيا دورتموند.
وعلى عكس الضجة الإعلامية التي تزف معظم لاعبي مصر، عند رحيلهم للاحتراف الخارجي، خصوصا لاعبي الأهلي أو الزمالك، خرج صلاح قاصدا أوروبا، دون أن تخصص له الصحف مساحات كبيرة لنشر صورة له تعلوها عناوين رنانة، لكن وبعد سنوات قليلة خطف الأنظار وتخطت شهرته الحدود المحلية.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هنأ صلاح، بعد تتويجه بلقب أفضل لاعب أفريقي لعام 2017، واصفا إياه بالقول إنه “ابن مصر البار”، مؤكدا على استحقاقه للجائزة، كما تقدم بالتحية للشعب المصري على فوز صلاح، الذي وصفه بأنه يبرز قيمة الجهد والإخلاص.
تهنئة السيسي لصلاح وردت في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قال فيها “أتقدم بالتهنئة والتقدير للمنتخب المصري لكرة القدم على فوزه بجائزة أفضل منتخب أفريقي، كما أهنئ ابن مصر البار محمد صلاح لفوزه المستحق بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا، وأتقدم بكل التحية للشعب المصري على هذا الفوز الذي يُبرز قيمة الجهد والإخلاص”.
مومو المبدع
العطايا التي تدرها كرة القدم يوما بعد يوم على صلاح، سواء المال أو الشهرة أو الشعبية الطاغية، نتاج طبيعي لما دفعه مقدما منذ أن كان طفلا ناشئا، كما أنه على قناعة تامة بأنه إذا أراد الحفاظ على المكانة التي وصل إليها محليا وقاريا وعالميا، لا بد ألا يتوقف عن بذل الجهد خصوصا بعد أن وضع اسمه وسط أبرز لاعبي العالم.
بشاشة الوجه والتواضع والالتزام هي عناوين شخصية صلاح، وهي صفات رافقت “مومو” كما تطلق عليه الجماهير منذ نعومة أظافره، فمنحته حب الجماهير المصرية والإنكليزية، فكما أصبح أيقونة الفرحة عند المصريين، وقاد منتخب الفراعنة للصعود إلى مونديال روسيا 2018، هو أيضا ملهم جماهير ليفربول الإنكليزي بعد أن تصدر قائمة هدافي الفريق.
بين بدايات صلاح في مرحلة الناشئين وحتى تتويجه بلقب أفضل لاعب في القارة الأفريقية في استفتاء هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، نحو خمسة عشرة عاما مليئة بالصبر والمثابرة، لم يكن يتخيل أحد أن نتاجها هو ذلك النجاح المدوي، فكيف للاعب رفضه أحد أكبر أندية الدوري المحلي في بلاده “نادي الزمالك” أن يقاوم الإحباطات ويقرر خوض تجربة احترافية مبكرة، إلا إذا كانت العزيمة هي سلاحه الأقوى؟
حبا في كرة القدم
من أجل عيون كرة القدم عانى صلاح وأسرته كثيرا، فبدأ المشوار في مركز شباب قرية نجريج، مسقط رأسه، ومنه انتقل إلى صفوف فريق المقاولون العرب، بفرع النادي في مدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية في دلتا مصر، وهنا يروي مدربه في قطاع الناشئين العرب سعيد الششيني بداية الرحلة.
يروي الششيني لـ”العرب” اللندنية إحدى الطرائف في حياة نجم مصر وليفربول الإنكليزي، وهي أن اللاعب المعروف باختراقاته الصاروخية من الجهة اليمنى للملعب، بدأ حياته الكروية لاعبا في مركز الجناح الأيسر.
وقال إنه تولى تدريب صلاح في عمر 14 عاما، وكان يشارك في مسابقتين محليتين هما، دوري القطاعات ودوري المناطق، لكن في واحدة من مباريات الفريق أمام فريق إنبي، أهدر صلاح أكثر من 20 هدفا بينها انفرادات عديدة بالمرمى.
وقتها اكتشف المدرب أن لاعبه الناشئ لا يجيد اللعب في الجهة اليسرى، وهو المركز الذي تواجد فيه خمسة لاعبين آخرين منهم لاعب الزمالك الحالي على جبر، حينها أجهش الصبي بالبكاء بسبب تواضع مستواه وإهداره لهذا الكم من الأهداف، ويتذكر الششيني أنه قام وقتها بتهدئة اللاعب ومنحه مكافأة مادية بسيطة.
هذا الموقف دفع المدرب إلى التفكير في كيفية الاستفادة من لاعبه، وقرر أن ينتقل صلاح للعب في جهة اليمين بدلا من جهة اليسار، وقد صدقت رؤية المدرب ففي هذا الموسم توج صلاح بلقب هداف دوري القطاعات، وبعدها بموسمين صعد إلى الفريق الأول لنادي المقاولون العرب وهو لا يزال في السادسة عشرة من عمره، وكان أصغر لاعبي الفريق، وكان معه صديقه محمد النني، المحترف حاليا في آرسنال الإنكليزي.
قبل ذلك، كان انتقال صلاح من فرع النادي بطنطا إلى فرع القاهرة العاصمة، بداية رحلة معاناة شاقة، كُتب عليه أن يخوضها يوميا حبا في الكرة وأملا في تحقيق حلمه بأن يصبح لاعبا كبيرا، خصوصا وأن الجميع أدرك أنه منذ نعومة أظافره كان عاشقا لكرة القدم، وهذا ما أكده المهندس ماهر أبوشتية عمدة قرية نجريج، عندما استرجع الذكريات.
وأضاف عمدة القرية أن والد صلاح كان محبا للرياضة ويمارسها بشكل دائم، حيث كان أحد لاعبي فريق مركز شباب القرية، وكان يتحرك مع ابنه بين عدة أندية للبحث عن فرصة، فألحقه بنادي بلدية المحلة، ثم توقف عن الاستمرار لبعد المسافة، فوجد طريقه إلى نادي اتحاد بسيون وهو في الثانية عشرة، وهناك شاهده مدربه رضا الملاح، وساعده في الالتحاق بفريق «عثماثون»، التابع لشركة المقاولون العرب بطنطا، وسرعان ما تم ضمه إلى نادي المقاولون بالقاهرة.
يروي عمدة قرية نجريج، أن والد صلاح خاض معه رحلة المعاناة عندما انتقل للعب في القاهرة، وكان عليه مصاحبة نجله، ابن الثالثة عشرة. فقد كانا يخرجان من المنزل في التاسعة صباحا ليستقلا أربع وسائل مواصلات حتى مقر نادي “المقاولون” في القاهرة، ليخوض صلاح تدريبه ثم يعود إلى المنزل في العاشرة مساء.
رحلة شاقة
الصبي الذي يمتلك حاليا أفخم وأغلى ماركات السيارات العالمية، قضى أجمل أيام طفولته يتنقل بين وسائل المواصلات، وربما حلم وهو نائم متوسدا قدمي والده في القطار، بعد أن أنهكه التعب من رحلة يومية طويلة، أن تتغنى باسمه ملايين الجماهير من عشاق كرة القدم مثل دييغو مارادونا ورونالدينيو وزين الدين زيدان، لكن من المؤكد أنه في ذلك الوقت كان أقصى طموحه الاستقرار مع ناديه المقاولون حتى ينال شرف اللعب في الفريق الأول.
كان طبيعيا أن ينال صلاح قسطا متواضعا من التعليم، بسبب انشغاله بكرة القدم وعدم توافر الوقت الكافي لمذاكرة دروسه، لأنه كان يقطع رحلة يومية مدتها نحو سبع ساعات ذهابا وعودة بين نجريج والقاهرة، لذلك اكتفى بحصوله على دبلوم التعليم الفني، والآن يدرس صلاح بأحد المعاهد الخاصة في مصر، لكن يبدو أن كرة القدم لا تتحمل أن يشاركها أحد في صلاح، فانشغل عن أداء الامتحانات، وطلب من إدارة المعهد تأجيلها لارتباطه مع ناديه الإنكليزي.
لم يصل صلاح فقط إلى الفريق الأول في المقاولون العرب، بل صار واحدا من أبرز اللاعبين في الدوري الإنكليزي، وتخطت شهرته الحدود، لذلك فهو مصدر فخر لأهل قريته المتواضعة، ومهما طال به السفر وصال وجال في ملاعب أوروبا، لم يحقق صلاح الارتياح النفسي إلا في هذه القرية، ووجه كل أفعال الخير لأهلها.
قام صلاح بأعمال خيرية كثيرة من أجل قريته، ورغم أنه يرفض دائما الإفصاح عنها، إلا أن كبار رجال القرية يذكرونها دائما، وتكفل صلاح ببناء مسجد كبير للقرية وإقامة عدد من ملاعب كرة القدم وتطوير مركز الشباب.
إضافة إلى مساعدات مادية وعينية كثيرة للمحتاجين والفقراء ممن يعتبرهم أهله، وقد أنشأ لهم جمعية خيرية لرعاية الأيتام والأسر الفقيرة، إضافة إلى تبرعه بنحو 400 ألف دولار لبناء معهد ديني، كما تبرع نجم منتخب الفراعنة لإنشاء وحدة غسيل كلوي ووحدة تنفس اصطناعي وحضانات أطفال في المستشفى التابع لقرية نجريج.
مقاهي وبيوت الناس
حوّل صلاح أغلب المقاهي والبيوت المصرية إلى مقاه يحرص روادها على مشاهدة مباريات نجمهم المحبوب، خصوصا في قريته الصغيرة التي يتجمع فيها الأهالي، سواء في المقاهي أو في منزل أحد كبار القرية للاستمتاع بابنهم المدلل، وكثيرا ما رصدتهم كاميرات القنوات الفضائية وهم يشاهدون المباريات بزهو وتفاخر، وكأنهم جميعا ساهموا في نشاة وتربية هذا اللاعب، أو كأنه يحمل علامة مسجلة تحمل شعار “صنع في نجريج”.
وبخلاف الشعبية الطاغية التي يتمتع بها صلاح، فإن تركيبة شخصيته جعلته مثلا أعلى للكثير من الصبية، ومعظم الأمهات في البيوت المصرية تدعي لأبنائها بأن يصبحوا مثل محمد صلاح، والطريف أن أغلب الأسر باتت تهتم بممارسة أولادها للعبة كرة القدم أكثر من الاهتمام بالدروس، أملا في حصد المال والشهرة من وراء تلك اللعبة.
وزادت رغبتهم هذه بعد أن تعرف أغلبهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة على قصة حياة صلاح وكيف نشأ في أسرة متواضعة ماديا، حتى صار يمتلك الملايين وبات صيته يملأ السمع والأبصار، وتفوقت شهرته على رجال السياسة والوزراء ونجوم الفن، وهؤلاء أنفسهم يتباهون باللاعب، ويحرص أغلب الفنانين على الإشادة به عبر صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
العزيمة والتفوق
لم يكن المشوار الاحترافي ممهدا أمام شاب لم يكمل العشرين من عمره، فقد رفض رئيس نادي الزمالك السابق ممدوح عباس أن يرتدي صلاح قميص النادي، عندما عرضه عليه أحد وكلاء اللاعبين في عام 2012، بداعي ضعف إمكانات اللاعب، لكن ذلك لم ينل من عزيمة الشاب الذي أصر على خوض تجربة الاحتراف، رغم تمسك مسؤولي المقاولون به لحين تواجد العرض المادي المناسب، وهو ما تحقق بعد عدة أشهر من خلال نادي بازل السويسري، الذي انتقل إليه مقابل مليون ونصف المليون دولار.
تغلب صلاح على كل هذه الصعاب، وخرج من ناديه في هدوء ودون ضجيج إعلامي قاصدا بازل السويسري، ومثله مثل أي شاب كان على وشك العودة إلى القاهرة، لعدم تأقلمه مع الغربة في بلد لا يتحدث لغة أهله، وأيضا بسبب فوارق التقاليد والثقافات.
في هذا التوقيت برز دور رئيس نادي “المقاولون” الأسبق شريف حبيب، وكان الرجل حريصا على مؤازرة صلاح، ودائم التردد عليه في سويسرا، وأحيانا كان يصطحب معه والد صلاح، وهو ما أهله نفسيا للاستمرار. فقرر صلاح أن يسير على نهج مثله الأعلى النجم محمد أبوتريكة، والابتعاد عن وسائل الإعلام وعدم التأثر بما يقال أو ينشر، فضلا عن التواضع الجم والأخلاقة العالية داخل وخارج الملعب.
لم ينشغل بالإعلام، وصب تركيزه داخل الملعب، حتى صارت وسائل الإعلام العالمية هي من تبحث عنه وتتمنى إجراء ولو حديث صحافي قصير معه، وتتكبد مئات الآلاف من الدولارات لتحقيق ذلك، وفقا لعقود تسويقية معمول بها في عالم صناعة كرة القدم.
حصد اللاعب نتاج هذا الصبر والجهد، وارتفعت قيمته المادية أكثر من مئة ضعف، من مليون ونصف المليون دولار في 2012 مع بازل، إلى 42 مليون دولار قيمة انتقاله إلى ليفربول في يونيو 2017، وبات أغلى صفقة في تاريخ ليفربول.
يراه بعض الخبراء أفضل من نجوم كثيرين، وفي مقارنة بلاعب برشلونة الإسباني النجم الأوروغواني لويس سواريز، كانت الأفضلية لصالح صلاح من وجهة نظر هاني رمزي، الذي تولى تدريب صلاح وقت تواجده في صفوف المنتخب الأولمبي. حيث يقول رمزي لـ”العرب” إن صلاح يتفوق على سواريز، وكثيرين غيره من النجوم، من حيث السرعة ومهارة المراوغة.
وبعد حصوله على جائزة “كاف” قال محمد صلاح لوسائل الإعلام، مخاطباً أولئك الأطفال المحرومين من الظروف الجيدة، والذين كان هو واحداً منهم قبل أعوام قليلة “أود أن أهدي هذه الجائزة لكل أطفال مصر وأفريقيا، وأقول لهم لا تتوقفوا عن الحلم”.
آخر الأخبار
- 19:17
- 22:58
- 16:38
- 16:50
- 20:45
- 20:40
- 23:58
- 18:52