هل ينجح طارق صالح في تكوين تحالف يمني لتحرير اليمن؟
تحليل: محمود الطاهر اليقينفي 11 من يناير 2018، وبعد أربعين يومًا من مقتل علي عبد الله صالح الرئيس اليمني الأسبق وحليف الحوثيين في الحرب التي يقودها التحالف العربي على الحوثيين بغية إعادة عبد ربه منصور هادي إلى الحكم بعد انقلاب الحوثيين عليه في 21 من سبتمبر 2014، خرج طارق نجل شقيق صالح إلى العلن بعد شائعات مقتله ودفنه، فمثّل ظهوره مفاجأة لأعداء عمه، ومن يعملون في خطوط متعددة ويظهرون في العلن وطنيتهم، لكنهم أعداؤه سرًا.
قال طارق صالح، في فيديو بثه نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي له في أثناء زيارته إلى محافظة شبوة (جنوب الجمهورية اليمنية إلى الشرق من عدن نحو 385 كيلومترًا) لتقديم العزاء إلى ابن صديق عمه عارف الزوكا الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الذي قضى نحبه إلى جوار رفيق دربه علي عبد الله صالح، وهم يقاتلون مليشيات الحوثي بعد انتفاضة الثاني من ديسمبر 2017: "نحن على درب الشهداء سائرون، درب الشهيد الزعيم والشهيد الأمين سائرون إن شاء الله، ونحن بوصايا الزعيم ملتزمون ولن نحيد عنها، ونحن مع ما أوصى به الزعيم من طلبه بالحوار وإيقاف الحرب وفك الحصار عن شعبه".
ودعا طارق'>
في الفيديو، لم يتحدث طارق عن الشرعية أو لم يشر إلى عبد ربه منصور هادي من قريب أو بعيد، بل ظل متجاهلًا له، وهي ثغرة سهلت لمنتقديه شن حملة إعلامية كبيرة ضده، واعتبار وجوده مثل عدمه، مطالبينه بالاعتزال العسكري والتفرغ فقط لأخذ الثأر لعمه.
آخرون هاجموه وطالبوه صراحة، امتشاق السيف ومنازلة الحوثي وأخذ الثأر لعمه، مع أن الحرب التي قادها صالح في الثاني من ديسمبر ضد المليشيات المدعومة من إيران، ليست ببعيدة، ويعلمون كيف حارب الرجل بما يمتلك من قوة خذلته القبائل والتحالف العربي في آن واحد، وكان نتيجة ذلك حياته.
النشطاء الغاضبون من تصريحات العميد طارق صالح، لا بد أن يدركوا أن حديث الأخير، له اعتبارات اجتماعية خاصة به (ابنه وأبناء عمه ونساء من أسرته محتجزون لدى مليشيات الحوثي)، واعتبارات سياسية متعلقة بمصير اليمن (يريد الحفاظ على كيان المؤتمر الشعبي العام، فإذا أعلن ولاءه لعبد ربه منصور هادي في الوقت الراهن، قد يستغلها الحوثي إعلاميًا، ويثبت صحة اغتياله لصالح، على أن صالح خان الدماء اليمنية بمد يده للتحالف العربي، وهو ما يسهل للحوثي عملية سحب بساط قيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام الموجودة في اليمن، من تحت قيادة عبد ربه منصور هادي والقيادات الأخرى الموجودة خارج اليمن.
هل ما زال يمتلك طارق القوة العسكرية؟
طارق تجنب الحديث عن الشرعية وغازل السعودية ولا يبدو أن تحت يديه الآن أي قوة عسكرية، لكن خروجه يمثل أمل لالتحاق المترددين بصف مواجهة الحوثيين خاصة من أفراد الحرس الذين ظلوا في منازلهم مترقبين لحظات الدعوة للخروج من منازلهم والالتحاق بجبهات القتال، وينتظرون فقط ترتيب وتأمين خروجهم إلى مناطق تأمنهم من مكر وخديعة الحوثي أو تبعدهم من بطش تلك المليشيات حتى يستعيدوا ترتيب صفوفهم من أجل الهجوم.
حاليًّا، طارق ظاهرة إعلامية ترتبط بتاريخ زعيم المؤتمر وقربه منه، ووجوده آثار حفيظة حزب الإصلاح لتخوفهم من انحراف توجهات التحالف خاصة الإمارات نحو المؤتمر وطارق، بعد أن كان هناك توجه إماراتي بالانفتاح الجزئي نحو حزب الإصلاح اليمني، وهذا بدا واضحًا من خلال الحملة الإعلامية التي شنها عليه نشطاء الحزب السياسيين.
لكن يبدو أن الدور المتوقع من العميد طارق محمد صالح، بعد ظهوره إعلاميًا لأول مرة منذ مقتل عمه، مبالغ فيه نتيجة التعقيدات التي تعاني منها أطراف تحالف الحرب المتنافرة، وهو ما يقيد إمكانية قيامه بدور قيادي مستقل في إدارة الحرب على مستوى الجبهات المفتوحة في اليمن، إلا في حال قبِل أن يكون محكومًا بالقانون العسكري، وما يمليه من تراتبية في التسلسل العسكري الذي يبدأ من الرئيس ونائبه ووزير الدفاع ورئاسة هيئة الأركان، وهو ما يوجب أن يسبقه اعترافه بـ"الشرعية" التي لم يعترف بها يومًا، حتى إنه تجاهلها في أول ظهور له إعلامي بعد مقتل زعيم حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان الجميع ينتظر منه إعلان ولائه لعبد ربه منصور هادي.
طارق من ناحية أخرى لم يكن على احتكاك أو له علاقة مباشرة بألوية الحرس الجمهوري كقيادات أو أفراد، وهو ما تجلى حين غاب هؤلاء في معركة الدفاع عن قائدهم الأعلى السابق في المواجهات التي قادها ضد مسلحي مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، ولم يشارك في القتال سوى حراسة صالح الخاصة، وهم بالكاد يصل عددهم إلى 200 جندي، بالإضافة إلى عشرات من القبليين والسلفيين.
وهو ما يقلل من تأثيره في إعادة تجميع قوات الحرس الذي لم يتم التواصل معهم طوال العامين الماضيين، وتركهم يواجهون مصيرهم بعد أن هيكلهم هادي حين أصبح رئيسًا، وتخلى عنهم باعتبارهم محسوبين على سلفه، قبل ومع دخول الحوثيين صنعاء.
والمتغير يمكن أن يحصل في حال تدخل قائدها السابق العميد أحمد علي، الذي ما زال يحظى بقدر كبير من الاحترام الشخصي، وتكفل "التحالف" بدفع مرتباتهم كاملة.
مثل هذه التعقيدات وغيرها المتمثلة بوجود عوامل تفجير مانعة لإنشاء أي ائتلاف متجانس يمكن أن يؤسّس لجبهة واحدة في ظل وجود أطراف وجيوش متعددة هي في الأصل غير متوافقة مع بعضها حتى تقبل بوافدين يعدون أسباب تفجير إضافية.
هل يكون هناك تحالف وطني بعيد عن الشرعية؟
ولأن تلك التراجيديات مخطط لها بعناية فائقة من الإمارات العربية المتحدة، إذا قورن ذلك بالأحداث في الجنوب، من خلال تكوين مجلس انتقالي جنوبي يناهض الشرعية، فإن خطة أخرى تبدو مرسومة في شمال اليمن، بعد أن استطاعت الإمارات إبقاء الحوثيين في زاوية سياسية واحدة وواضحة.
الإمارات العربية المتحدة تستغل فشل هادي المتواصل في جمع اليمنيين تحت قيادته وتعزله شعبيًا أكثر، وهذا ما يمثل خطورة لعبد ربه منصور هادي، إن لم يدرك ذلك جيدًا ويعي إنه رئيس لكل اليمنيين، ويعمل على إجراء مصالحة وطنية شاملة بين حزب الإصلاح اليمني (إخوان اليمن) وحزب المؤتمر الشعبي العام والأحزاب الأخرى كافة، وفتح صفحة جديدة بين مكوناتها، من باب أن الجميع في مصير واحد، والعدو أصبح ظاهرًا، ولا بد من سلخ المشاكل السياسية من الجسد اليمني والتفرغ لاستعادة اليمن لعروبتها، وللخلافات السياسية وقت آخر.
تبدو الصورة شبه واضحة أن هناك اتجاهًا قويًا، لتشكيل جبهة وطنية جديدة قد تحمل اسم (التحالف الوطني لتحرير اليمن) بعيدًا عن شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وبدعم من التحالف وخاصة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يعني أن هناك اتجاهًا لحسم المعركة وبخطة شبيهة لتلك الأحداث التي تمر في سوريا المنقسمة الآن بين جيش حر للمعارضة السورية (المدعومة من بعض الأطراف الإقليمية والعربية)، وجيش قوات سوريا الديمقراطية (المدعوم من أمريكا)، وجيش النظام السوري (المدعوم من روسيا وإيران)، التي شاركت جميعها في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
بعد أن عجزت القوات الشرعية أو القوات الموالية للتحالف العربي، عن إحراز تقدم حقيقي يهدد من بقاء الحوثيين، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة وبعض أطراف التحالف العربي، يعملون على تشكيل تحالف جديد في اليمن لا يعترف بالشرعية، همه تحرير اليمن من مليشيات الحوثي، وهذا الأمر مهمته استقطاب الجنود والحشود الشعبية التي ترفض عبد ربه منصور هادي والتدخل السعودي في اليمن، وهو ما قد يمكنه من كسب قاعدة جماهيرية وعسكرية كبيرة بعد أن يتم إعلانه رسميًا.
خطط الحرب المتوقعة
بعد أن يتم تشكيل تحالف جديد في اليمن لمحاربة الحوثيين، يتوقع أن يكون ذلك متزامنًا مع رفع العقوبات الدولية عن أحمد علي عبد الله صالح الذي سيدعو قوات الحرس الجمهوري إلى الالتحاق بقواعده، وسيخصص لذلك مكان لعمليات الانطلاق ربما قد تكون من شبوة والحديدة في آن واحد، وسيكون بدعم لا محدود من التحالف العربي، وقد تنجح تلك القوات في التقدم السريع بتلك الجبهات، وهو ما قد يجعل العالم يعيد النظر في ضغطه على التحالف والسعودية بعدم مهاجمة ميناء الحديدة، لعدم قدرته على الحسم العسكري سريعًا، وإطالة أمد الصراع والحصار على الشعب اليمني يزيد من الأزمة الإنسانية، وسيكون الصمت الدولي مرهونًا بالحسم العسكري السريع، وتأمين المناطق التي يتم استعادتها، مع إغاثة أبنائها.
وحتى يقطع الرئيس المعترف به دوليًا عبد ربه منصور هادي، الشك باليقين، ولا يترك مجالًا للخروج عنه، لا بد من التحرك السريع، وإعلان مصالحة شعبية عامة يكون طرفاها حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، وتوحيد الكلمة بين اليمنيين، على اعتبار أن المرحلة لا تستعدي التراشق، وعلى الإصلاح أن يدعو لذلك، فإن عدم التنبه لذلك، أو التخاذل في مثل هكذا أمر، يجعله في خانة الاستهداف التالي.
الخلاصة
تجنب طارق الشرعية وغازل السعودية ولم تعد تحت يديه الآن أي قوة عسكرية، لكن ظهوره إعلاميًا يمثل أمل لالتحاق المترددين بصف مواجهة الحوثيين، خصوصًا من أفراد الحرس الذين ظلوا في منازلهم مترقبين.
إذا تم تسليمه جبهة الساحل الغربي يمكن أن يحرز فيها بعض النجاح من خلال حشد مقاتلين لها، وعمومًا طارق ظاهرة إعلامية ترتبط بتاريخ زعيم المؤتمر وقربه منه، وظهوره إعلاميًا، أثار حفيظة الإصلاح لتخوفهم من انحراف توجهات التحالف خاصة الإمارات نحو المؤتمر وطارق تحديدًا وإحراز نجاح سهل في معركة الحديدة، وهو ما سيمثل إحراجًا لهم، ولا بد لهادي أن يزيل التوترات بين شعبه إن كان يريد الحسم العسكري تحت قياداته، لقطع الطريق أمام إنشاء تحالفات جديدة تعمل على تهميشه في المستقبل.