موجة الحر غير الاعتيادية خلال الحج دقت ناقوس الخطر.. السعودية تتسلح بالعلم في مواجهة تغير المناخ
اليقينقدّمت المملكة العربية السعودية جهوداً استثنائية خلال حج عام 1445هـ، في ظل تحديات جسيمة واجهت البلاد، كان أبرزها ظاهرة تغير المناخ العالمية، التي تجسدت في موجة حر شديدة غير اعتيادية ضربت المنطقة خلال موسم الحج، ودقت ناقوس الخطر منذرةً بظواهر أكثر تطرفاً تتنظر العالم في السنوات المقبلة.
فقد شهد موسم الحج هذا العام هبوب موجة حارة شديدة غير اعتيادية في هذا الوقت من العام، وارتفعت درجات الحرارة في المشاعر المقدسة لتلامس نحو 50 درجة مئوية أو ما يزيد في الظل، الأمر الذي بدا صعباً وشديداً على ضيوف الرحمن من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
لم تكن هذه الموجة الحارة معتادة خلال هذه الفترة من السنة، إذ لم يكن الانقلاب الصيفي قد حدث بعدُ معلناً دخول شهر الصيف رسمياً، إلا أن ظاهرة تغير المناخ تتسبب في تكرار وحدة الظواهر الجوية المتطرفة، مثل سقوط الثلوج، أو شدة الحرارة، أو الفيضانات، أو الأعاصير... وما إلى ذلك.
جهود حثيثة في مواجهة التحدي
على الرغم من هذا التحدي الجسيم، قدمت المملكة موسماً استثنائياً من الخدمات المتكاملة لا سيما الخدمات الصحية، وأثبتت براعة وزارة الصحة السعودية في التعامل مع هذه التحديات، وخاصة حالات الإجهاد الحراري التي نتجت عن ارتفاع درجات الحرارة.
ولم يمنع الطقس شديد الحرارة من أداء ضيوف الرحمن لمناسكهم بيسر وسلام وطمأنينة، وذلك بفضل منظومة الخدمات المتكاملة التي وفرتها المملكة، وبفضل الجهود المتكاملة للجهات الصحية والأمنية والتنظيمية، مترجمين بذلك التزام المملكة بتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، وتعزيز سلامتهم وصحتهم في كل الأوقات، وبصرف النظر عن حالتهم النظامية.
كذلك لم تستطع الموجة الحارة إحباط جهود السعودية الاستثنائية، ولم تمنع التعامل بكفاءة مع حالات الإجهاد الحراري التي نتجت عن حرارة الجو الشديدة، فقد قدمت السلطات الصحية في المملكة أكثر من 465 ألف خدمة علاجية للحجيج، منها نحو 141 ألف خدمة للحجاج غير المصرح لهم، واستمرت في علاج 95 حالة حرجة تم نقلها جواً للعاصمة الرياض ومدن أخرى لاستكمال العلاج، كما قدمت ما تجاوز 30 ألف خدمة إسعافية، و95 خدمة نقل جوي، و1.3 مليون خدمة وقائية، شملت الكشف المبكر واللقاحات والرعاية العاجلة عند وصول الحجاج.
وتميزت الرعاية الصحية المقدمة بسرعة استجابة الفرق الطبية وتوفر الخدمات الصحية المتنوعة، بما في ذلك غرف الإجهاد الحراري والتقنيات الحديثة لإنقاذ المصابين بسرعة وكفاءة.
كما حذرت السلطات الصحية في المملكة الحجاج من التعرض المباشر لأشعة الشمس، ونصحتهم بعدم مغادرة مخيماتهم، والتزامها قدر الاستطاعة؛ للمحافظة على صحتهم وسلامتهم؛ ما أسهم في تقليل حالات الإجهاد الحراري.
أدى ذلك التعامل الكفؤ من السلطات الصحية السعودية إلى تقليل عدد الوفيات الذين بلغوا 1301 حالة وفاة، منهم ما يمثل نسبة 83% لم يكن لديهم بطاقات تعريفية، ما أدى إلى الحاجة إلى التواصل مع بعثات الحج المختلفة للتوصل إلى هويتهم.
تغير المناخ حقيقة واقعة
تنقل "رويترز" عن كارل فريدريش شلويسنر المستشار العلمي في المعهد الألماني لتحليلات المناخ، قوله إن مناسك "الحج تجري بطريقة معينة منذ أكثر من ألف عام، وكان المناخ حاراً دائماً، لكن أزمة المناخ تفاقم قسوة الظروف المناخية"، في إشارة إلى موجة الحر غير الاعتيادية التي تأثرت بها المنطقة خلال فترة الحج.
فيما يحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس من تغير المناخ، لافتاً إلى أن هناك حاجة إلى مخرج من الطريق السريع المؤدي إلى الجحيم المناخي، مشدداً على أنه حتى اليوم "نحن ندفع حدود الكوكب إلى حافة الهاوية، إذ نحطم أرقاماً قياسية في درجات الحرارة العالمية ونحصد ما زرعناه".
ولم تقف المملكة مكتوفة الأيدي أمام ظاهرة تغير المناخ التي باتت حقيقة واقعة يشهدها العالم بأسره، ويتأثر بالتطرف المناخي الذي تجلبه إلى البشرية، والظواهر المناخية غير الاعتيادية، فقدمت عدداً من المبادرات والاستراتيجيات التي تهدف إلى وقف الظاهرة، وحماية الكوكب، وتحقيق الحياد الكربوني، ومتماشية في ذلك مع رؤية 2030 التي تهدف إلى الاستدامة.
جهود احتوائه
وقدمت المملكة في هذا الصدد مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، ما عكس التزامها الراسخ بالتصدي لتداعيات تغير المناخ، وتسريع وتيرة العمل المناخي.
وتدعم مبادرة السعودية الخضراء طموح المملكة المتمثل في تحقيق هدف الحياد الصفري بحلول عام 2060م عبر تبني نموذج الاقتصاد الدائري للكربون، كما تعمل على تسريع رحلة انتقال المملكة نحو الاقتصاد الأخضر.
وتسعى المبادرة إلى تحقيق ثلاثة أهداف طموحة تتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير المملكة، وحماية المناطق البرية والبحرية، كأهداف رئيسية لها.
ولتحقيق تلك الأهداف، تسعى "المبادرة" إلى تشجير المملكة بزراعة 10 مليارات شجرة في كل أنحائها، وتحويل صحاريها إلى أراضٍ خضراء، وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود المقبلة، حيث يسهم التشجير في خفض درجات الحرارة، ويُكافح التصحر، ويقلل العواصف الرملية، ويُحسن جودة الحياة.
وبما يتعلق بالتحول نحو الطاقة النظيفة، يعمل هذا الهدف على تحقيق زيادة حصة المملكة بنسبة 50% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م. ويُعد تنويع مزيج الطاقة محلياً ركيزةً أساسيةً لتحقيق الاستدامة، وستمنح مشاريع الطاقة النظيفة الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتؤثر تأثيراً إيجابياً على البيئة.
ومن بين أهداف المبادرة تقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك زيادة نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من إجمالي مساحة الأراضي في المملكة، وذلك لتقوية وتعزيز التنوع البيولوجي واسترداد البيئة الطبيعية المحلية.
ومن أجل هذه الأهداف قامت المملكة بإطلاق أكثر من 80 مبادرة في سبيل تحقيق الأهداف الثلاثة لمبادرة السعودية الخضراء، وإحداث تغيير إيجابي على المدى الطويل.
وتتراوح هذه المبادرات من جهود التشجير وحماية التنوع البيولوجي وصولاً إلى خفض الانبعاثات وإنشاء محميات طبيعية جديدة، وتسعى المملكة في إطار مبادرة السعودية الخضراء إلى تحقيق تطلعاتها لبناء مستقبل أكثر استدامةً للجميع، مع اتخاذ خطوات عملية وضخ استثمارات تدعم التزامها تجاه التنمية المستدامة.
كما أكد ولي العهد التزام المملكة بجهود الاستدامة الدولية، بإعلانه عن استضافة المملكة لمقر الأمانة العامة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والإسهام بـ2.5 مليار دولار دعماً لمشروعات المبادرة ولميزانية الأمانة العامة على مدى 10 سنوات قادمة، علاوة على استهداف صندوق الاستثمارات العامة الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050م، في إشارة واضحة من المملكة إلى سعيها لمستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
• نقلا عن صحيفه سبق السعوديه