هل ستصبح المدن السياحية «حبراً على ورق» خلال السنوات القادمة؟
إلهام محمد علي اليقينالعالم اليوم يتغير بوتيرة سريعة ولا يبقى على حاله كما كان من قبل، الآن تغيرت تفاصيله وأحداثه وفقا لأحدث تقارير علمية وبيئية أفادت أن بعض المناطق ستختفي من على خريطة الكرة الأرضية بسبب عوامل مختلقة، مثل المناخ و البيئة وعوامل التعرية وغيرها من الأسباب.
يعتبر "التغيير المناخي" الآن الشبح الذي يهدد مدن سياحية عربية وغربية عريقة بالاندثار والاختفاء، من منا يتخيل أن بمقدمة هذه الدول مدينة القدس العريقة و مدينة البتراء الأردنية، حتى سور الصين العظيم الذي صنف قبل ذلك إنه من عجائب الدنيا السبعة.
مدينة القدس القديمة، ظلت في لائحة اليونيسكو للمواقع المهددة بالاندثار منذ عام 1982، وهي المدينة المقدسة للديانات السماوية الثلاث، وتجتذب ملايين السياح بأكثر من 200 موقع تاريخي فيها، منها مسجد قبة الصخرة، لكن المشاكل السياسية وترت العلاقات بين إسرائيل واليونيسكو، ما منع الأخيرة من تنفيذ أي مشاريع للحفاظ على الموقع الإسلامي.
البتراء "المدينة الوردية"، أحد أبرز المواقع الأثرية بالأردن،أنهكتها الرياح والأمطار التي تعمل على تآكل موقعها الرئيسي الظاهر بالصورة "الخزنة"، التي تناقص سمكها بمقدار 1.5 إنش خلال القرن الماضي، كما أن الحيوانات التي تستعمل في نقل السياح تساهم أيضاً في تعرية الطريق إلى الخزنة، والرطوبة الزائدة يمكنها أن تهدد استقرار المدينة المنحوتة بالصخر الرملي.
سور الصين العظيم أيضا، قاوم أطول سور في العالم العوامل الطبيعية المختلفة لأكثر من 2000 عام، لكن "مناعة" السور بدأت تقل في السنوات الماضية، وتوقع الخبراء أن ينهار في الـ20 سنة المقبلة حيث بدأ يتناقص نتيجة استخدام أهالي المناطق الصينية لحجارته في بناء بيوتهم، حيث اختفى ثلاثون بالمئة من الجدار.
ومدينة البندقية الإيطالية الساحرة حذر خبراء حديثاً من أن قد تغرق في أقل من 100 عام بسبب تغير المناخ، وإنها عرضة لخطر الزوال في حال استمرت مستويات البحر في الارتفاع، ووفقا للباحثين، فإن البحر المتوسط سيرتفع بنسبة تصل إلى 5 أقدام ما يعادل 140 سنتيمترا قبل عام 2100.
مستقبليا، يبدو أن على هواة التزلج على الجليد في جبال الألب أن يبحثوا عن أماكن أخرى لممارسة هوايتهم، فالتغيرات المناخية تهدد قمم هذه الجبال بالذوبان، إذ تفقد سنويا ثلاثة بالمئة من ثلوجها، ما يعني أن عام 2050 سيكون إعلانا باختفاء ثلوجها، وهي جبال وتمتد عبر سبع دول بطول 1200 كيلومتر.
أما تاج محل الضريح ذو الشهرة العالمية في الهند، وهو في طريقه للإغلاق في خمس سنوات بسبب تلوث الهواء، وبينت تقارير إعلامية أن مبنى تاج محل واجه الكثير من الهجمات عبر التاريخ، ووصفت التلوث بالهجمة غير المتوقعة بعد أن غزته الملايين من الحشرات التي تنتشر على ضفاف نهر يامونا قرب المبنى.
جزر المالديف التي يحلم الكثير بزيارتها لعذوبة طبيعتها مهدد بالزوال، والسبب يرجع إنها أدنى بلد على وجه الأرض ومع ارتفاع مستويات البحر نتيجة لتغير المناخ سيصبح البلد تحت الماء في أقلّ من قرن من الزمان.
وهل تصدق أن جزر سيشل نفسها وجهة شهر العسل الأولى في العالم مهددة بالانقراض، وقد تتآكل شواطئها وتتلاشى تماما خلال الفترة من 50 – 100 عام القادمة.
أما الثلوج البيضاء الناصعة التي تكسو قمم جبال كليمنجارو الشهيرة في تنزانيا بقلب أفريقيا ، ستكون سبب في تلاشي هذه الجبال يوم من الأيام ، خصوصا أن الدراسات تؤكد أن هذه الجبال الجليدية تقلصت بنسبة 85% خلال المائة عام الأخيرة.
وفي باتاغونيا ، احد أهم مناطق الجذب السياحي في العالم ، وهي مجموعة انهار جليدية شهيرة في الأرجنتين ، تشير الحسابات العلمية إلى كونها ستنقرض قريبا بسبب ارتفاع درجات الحرارة ، وقلة الأمطار.
ويتوقع خبراء البيئة بسبب الحرائق المتكررة ، والإزالة الجماعية لها، أن ينتهي وجود الغابات الشهيرة في جزيرة مدغشقر، خلال 35 عام على الأكثر من الآن .
المدينة العائمة تغرق
وعند الوصول إلى فينيسيا الايطالية المدينة العائمة، الأكثر شهرة سياحية في العالم، نجد إنها معرضه للانقراض بسبب ارتفاع معدلات الفيضانات بشكل غير مسبوق خلال الأعوام الأخيرة .
أما كمبوديا تستضيف مجمع معابد "انغكور وات" الذي يعد اكبر نصب تذكاري ديني في العالم ، تم تشييده في القرن الثاني عشر الميلادي ، زاره أكثر من مليوني شخص في عام 2013 وفق أرقام رسمية؛ المعبد أيضا معرض لتأكل جدرانه وتأثرها بسبب الأعداد الهائلة من السائحين كل يوم.
وعلى الرغم أن السلطات الاسبانية أغلقت هذا الموقع السياحي الأثري منذ عام 2002 ، إلا أن هذه المنطقة من المناطق الأثرية المهددة بالفناء بسبب عوامل التعرية وبسبب حجم الزيارات السابقة إليها ، وتضم هذه الكهوف لوحات حجرية أثرية تعود تواريخها إلى أكثر من 20 ألف عام وفق بعض التقديرات.
وفي أستراليا الحاجز المرجاني العظيم يستضيف هذا الحاجز أكبر مخزون للشعاب المرجانية في العالم ، لسوء الحظ يتوقع العلماء فنائها بحلول عام 2050 نتيجة للعوامل المناخية وانتهاكات الغطس بها .
عند الوصول إلى روسيا وجدنا منزل ميلنيكوف في موسكو، الذي صمم هذا المنزل على يد المهندس الروسي الشهير كونستانتين ميلنيكوف، أنهى بناءه عام 1929 واتخذه المهندس منزلاً له، ويعتبر صرحاً مغايراً لأي نمط بالهندسة في العهد السوفييتي، الآن تسكنه حفيدته، وهو الآن معرض للهدم بسبب عمليات حفر لإنشاء مرآب تحت الأرض بمنطقة مجاورة، والتي أدت بالفعل إلى إحداث شقوق بالصرح.
أما في أثيوبيا كنيسة " يمريهانا كريستوس" التي تقع في كهف واقع بجبل على ارتفاع 2700 متر، وتبعد 42 كيلومتر عن أقرب مدينة، وهذا ساعد في الحفاظ عليها إلى الآن، لكن شق طريق جديد إلى الموقع بالإضافة إلى ضعف بنيتها ساعد في إضافتها إلى لائحة المواقع المهددة بالاندثار عام 2014.
برج "ناكاجين" أيضا في اليابان الذي يعتبر نموذج لهندسة إعادة تدوير المخلفات، فكل كبسولة تعمل بمثابة خلية ويمكن إزالتها لتعمل وحدها بشكل مستقل، أنهي العمل به عام 1972، وهو مهجور بأغلبه، وقد هدد بهدمه مرات عديدة بسبب موقعه المميز وهو بحاجة ماسة إلى إعادة ترميم.
ومسجد دجينغاريبر الذي يعد واحد من أقدم ثلاثة مساجد تحتضنها تمباكتو عاصمة مالي، وتمت مهاجمته من قبل الجماعة التابعة لتنظيم القاعدة، "أنصار الدين"، عام 2012، كما يتهدد الموقع بالتمدن وتغير المناخ، والتصحُّر.
بيوت في طي النسيان
السنوات الطويلة من الحروب الأهلية لم تكن كافية لتهديد وجود المنازل العتيقة في بيروت القديمة ، بل أصبح هناك أيضاً أصحاب العقارات الفخمة والضخمة، الذين يرغبون ببناء مشاريعهم بمواقع هذه المنازل، وتم الإعلان عن عدم كفاءة هذه المنازل للسكن دون أخذ الفحوص المطلوبة، وإبعاد السكان الجدد عنها، اليوم يبقى أقل من 350 منزلاً عتيقاً في المدينة، والباقي أصبح في طي النسيان.
مصابيح الغاز في برلين زارها النسيان أيضا، فلا توجد مدينة في العالم تحوي مصابيح غاز أكثر من برلين، التي تحتضن 40 ألف مصباح للغاز، لكن عددها أيضاً تناقص وسط توجه للحكومة باستبدالها بمصابيح صديقة للبيئة، إذ يختفي في العام حوالي 1000 مصباح.
الموقع الروماني الشهير بومبي في إيطاليا ينضم أيضا إلى قائمة المدن المهددة بالاندثار، بسبب تساقط الأمطار وعدم امتصاصها بشكل جيد من التربة، فإن ذلك يجعل الأخيرة في حالة غير ثابتة، وأعلنت اليونيسكو بأن المدينة ستندثر بأكملها قريباً.
بعد جولتنا حول العالم على الدول السياحية المهددة بالانقراض والاختفاء نختم جولتنا في بلدة " حسن كيف" التركية، حيث تقع هذه المدينة الأثرية على ضفاف نهر دجلة وتحوي تاريخاً بآلاف السنين، لكن قد ينتهي وجودها بإنهاء سد بالمنطقة، يمكنه أن يعمل على إغراق المدينة بأكملها والتأثير على حوالي 50 ألف شخص، لكن المطالب الدولية والأثرية بإيقاف المشروع لم تمنع الحكومة التركية من إكماله وسط وعود بنقل المحتويات الأثرية وتعويض السكان.