اليقين
الأخبار

هل كان العليمي سياسيًا أم رجل دولة؟

اليقين

اليقين خاص :
محمد يحيى الفقيه

سماء السياسة تلد مفاجآتها كما تلد الرياح السحب، يخرج منها الرجال بلا مقدمات ليعيدوا رسم خطوط المشهد. من رحم هذا التحول، ينبثق اسم يحمل في طياته صدى مرحلة مضطربة: عبدالله العليمي. رجل لا يتكئ على الأضواء، بل يمضي بصمت الحكماء، متسلحًا بالتواضع والإرادة الصلبة.

في أواخر ديسمبر الماضي، وبينما كنت أعدّ كتابًا يتناول محطات مفصلية في اليمن، طلبت لقاء الدكتور عبدالله العليمي، خاصة أنه شغل منصب مدير مكتب رئاسة الجمهورية في واحدة من أخطر الفترات التي شهدتها البلاد. لم يكن لقاءً بروتوكوليًا، بل كان مشهدًا يعكس جوهر الرجل. استقبلني عند باب مكتبه الخارجي، بابتسامة هادئة لا تخلو من وقار الدولة ومسؤولية المرحلة. أنصت إليّ باهتمام، بل وتجاوز ذلك إلى تقديم نصائح عملية حول كيفية إخراج الكتاب إلى النور، دون أن يضع أي حواجز بيني وبينه. وحين غادرت، رافقني بنفس الطريقة، مودّعًا إياي حتى الشارع، وكأن اللقاء ليس بين باحث ومسؤول، بل بين أخوين يتبادلان الودّ والاحترام.

هذا الرجل لم يكن مجرد مدير لمكتب الرئاسة، بل كان شاهدًا على قرارات كبرى، ومشاركًا في لحظات مصيرية. لقد كان أحد الوجوه التي حملت همّ اليمن في مرحلة التحديات العظمى، حيث كان عليه أن يكون رجل توازن بين القوى المتصارعة، صمام أمان في أوقات التوتر، ورسول هدوء حين تعصف العواصف.

في ساحة السياسة، هناك فرق بين من يمارس العمل السياسي لأجل الكرسي، وبين من يدير المشهد بروح رجل الدولة. العليمي لم يكن جزءًا من الصراعات الصغيرة، بل ظل منحازًا لفكرة بناء الدولة، بعيدًا عن زحمة الشعارات ومزايدات اللحظة. لم يكن يومًا من أولئك الذين يطرقون أبواب الأيديولوجيات بحثًا عن موقع، بل كان يدرك أن اليمن بحاجة إلى رجال يحملون رؤى تتجاوز صراعات اللحظة إلى بناء المستقبل.

وإذا كان التاريخ لا يذكر العابرين، فإنه يسجل المواقف التي تُصنع في أوقات الأزمات. في كواليس السياسة اليمنية، كان عبدالله العليمي شخصية جامعة، يسعى إلى بناء الجسور بين القوى المتنافرة، ويحاول أن يجعل من السياسة وسيلة لإنقاذ البلاد، لا معولًا لهدم ما تبقى من الدولة.

اليوم، حين تتأمل مسيرته، لا تجد أمامك رجل حزب أو رجل معركة، بل تجد رجل دولة. لم يكن مجرد مسؤول عابر في مرحلة حرجة، بل كان أحد أولئك الذين عملوا بصمت في زمن ضجيج المتصارعين. وحين تنظر إلى المشهد السياسي المضطرب، تتساءل: هل كانت السياسة تحتاج إلى المزيد من أمثال العليمي؟

ربما تكون الإجابة في ذلك اللقاء الذي لم أنسه، حيث لمست عن قرب كيف يكون التواضع قرين الهيبة، وكيف يكون الاستماع جزءًا من فن القيادة، وكيف أن رجال الدولة الحقيقيين لا تغرّهم المواقع، بل تشغلهم القضايا الكبرى.

الأخبار

آخر الأخبار