من خفايا انتفاضة الثاني من ديسمبر كيف سقطت المعسكرات بيد مليشيات الحوثي
اليقين
اليقين .. خاص . خلود الحلالي
مضى عام على انتفاضة الثاني من ديسمبر 2017، التي أطلق شرارتها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، داعيا أنصار حزب المؤتمر، وأفراد الجيش والأمن إلى حمل السلاح وإسقاط سلطة الحوثيين، واستعادة الجمهورية من قبضة الإماميين الجدد. انتهت تلك الانتفاضة بعد يومين من اندلاعها بتمكن الحوثيين من تصفية الزعيم صالح، ورفيقه عارف عوض الزوكا، وعدد آخر من قيادات المؤتمر، والقيادات العسكرية الموالية له. وحتى اليوم لا يزال الغموض يلف أحداث ديسمبر العاصفة، والتي انتهت بتلك الخاتمة المأساوية، بالرغم من الثقة الكبيرة التي أبداها "الزعيم صالح"، أثناء خطابه التاريخي صبيحة 2 ديسمبر، ولم يصدر حتى اليوم توضيحا كاملا لما حدث. وحرصا منا على استجلاء ما حدث في تلك الأيام الملحمية، في صنعاء، التقينا بأحد الضباط الذين شاركوا فيها منذ انطلاقتها الأولى، وحتى آخر طلقة. ونظرا لكون الضابط المذكور يتواجد في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد إفراجهم عنه بعد شهر ونصف من الاعتقال، اضطرينا للاحتفاظ بهويته، بناءا على طلبه. يروي الضابط في الحرس الجمهوري، اللحظات الأولى لانطلاق انتفاضة ديسمبر، مشيرا إلى أنه تلقى اتصالا فجر 2 ديسمبر، من العميد الركن محمد علي المسعودي قائد معسكر ضبوة سابقا، والذي أقاله الحوثيون قبل الانتفاضة بشهرين. وقال: "طلب مني العميد المسعودي جمع أكبر عدد ممكن من الضباط والأفراد الذين أعرفهم للتحرك إلى الحارات المجاورة لمعسكر ضبوة، حينها كنت أعتقد أن هناك تنسيق كامل بين جميع القيادات للتحرك ضد الحوثيين، كون هذا كان مطلبنا منذ ما قبل الانتفاضة". وأضاف: "أبلغني المسعودي خلال اتصاله أن التواصل سيكون بالأجهزة السابقة، عبر تردد معين، وبعد انتهاء المكالمة، أجريت اتصالات مع كثير ممن أعرفهم، وجدت بعضهم كان لديه خبر، والبعض الآخر أنا أعلمته بذلك، بعد ذلك حملنا أسلحتنا الشخصية وتحركنا باتجاة شارع تعز، وتوغلنا في الحارات مشيآ على الأقدام من جهة دار سلم، حتى وصلنا للنقطة المتعارف عليها، ونحن على تواصل، ثم تمركزنا في العمارات والبيوت التي كانت لا تزال قيد البناء، كما قمنا باستحداث نقطة خاصة بنا، حسب توجيه قائد معسكر ضبوة العميد الركن محمد علي المسعودي". وأشار الضابط الذي طلب الاحتفاظ باسمه، إلى أنه بعد ذلك، اشتبك الجنود والضباط، مع الحوثيين داخل معسكر ضبوة، وكان عدد الحوثيين هناك لا يزيد عن 170 عنصرا، واستمرت الاشتباكات حتى الثامنة من صباح 2 ديسمبر، حتى نجح الأفراد في السيطرة على المعسكر وأسر من تبقى من الحوثيين الذين كانوا متواجدين فيه. وقال: "بعدها حضر العميد الركن مراد العوبلي، وعقد لقاءً بالعميد محمد علي المسعودي، قائد المعسكر، كما قاموا بالاتصال بشقيق اللواء مهدي مقولة، وهو ضابط في الحرس، برتبة عميد ركن، ثم بعد ذلك حضر اللواء مقولة شخصيا، واستلم القيادة في معسكر السواد، وكان هناك من أبناء القبائل من سنحان وبلاد الروس وآخرين من خولان، وأفراد من الحرس الجمهوري، الذين كانوا يتقاطرون من منازلهم، لكن كان الأغلبية بدون سلاح، نظرا لكونهم لجأوا لبيعها لإعالة أسرهم، بعد أن أوقف الحوثيون رواتبهم". واستطرد الضابط قائلا: "كنت أنا بجانب العميد الركن المسعودي، والذي كان يجري اتصالات مع اللواء مهدي مقولة، لكن الأخير لم يكن يرد على الاتصالات، ولاحقا رد أحد مرافقيه، ليخبر المسعودي بأنه نايم، بسبب الإرهاق، الأمر الذي أثار غضب المسعودي، كون الحالة تستدعي اليقضة التامة". وأشار الضابط، إلى أن العميد المسعودي كان يؤمل خيرا، بأن الوضع تحت السيطرة، وأن القوات باتت تسيطر على مسرح العمليات، إلا أن القلق زاد بعد أن أجرى اتصالات مع القيادة في معسكر السواد لتزويج الدبابات بالوقود والذخائر، حتى يتسنى لها التحرك لفك الحصار عن منزل "الزعيم" في الثنية، إلا أنه لم يكن هناك استجابة من قيادة السواد، دون معرفة الأسباب. وفي الأثناء – بحسب الضابط – كان هناك الكثير من أبناء القبائل وكذا العساكر يتوافدون إلى معسكر ضبوة للمشاركة في انتفاضة 2 ديسمبر، استجابة لأوامر الزعيم علي عبدالله صالح، لكن لم يكن هناك قدرة على استيعابهم في ضبوة، بسبب قلة التسليح. ويضيف الضابط: "حينها أمر المسعودي الوافدين بالتحرك إلى معسكر ريمة حميد، أو ما سمي لاحقا بمعسكر الملصي، كونه كان تابع للرئيس علي عبدالله صالح، وفيه من السلاح والعتاد ما يكفي لتسليح الوافدين". حينها أيضا كان هناك الكثير من المشائخ والوجهاء من سنحان وبلاد الروس، على تواصل مع العميد المسعودي، يستفسرون عن آلية التنسيق والتسليح، لكي يدفعوا برجال القبائل إلى المعسكرات، لكن لم يكن لدى المسعودي أي فكرة حول الموضوع، كما أنه كان يتواصل مع العميد مراد العوبلي قائد معسكر ريمة حميد، إلا أنه الآخر لم يكن على علم بأي خطة لاستقبال القبائل، والجميع كان ينتظر توجيهات من اللواء مهدي مقولة، كونه القائد المكلف من الزعيم بإدارة المعركة. وأشار إلى أنه وفي تمام الساعة العاشرة صبيحة 2 ديسمبر، قام اثنين من أبناء العميد محمد علي المسعودي على رأس خمسين فرد من معسكر ضبوة، وتوجهوا لتمشيط شارع تعز، وفعلا نجحوا في تمشيط جميع النقاط الممتدة من جولة دار سلم وحتى معسكر السواد المعروف بمعسكر 48، وتمت السيطرة على الأطقم والعربات والمدرعات الحوثية التي كانت في تلك النقاط، وأخذت الأسلحة لتسليح القوة المتواجدة في المعسكر. وقال الضابط الذي نحتفظ بهويته: "جاء وقت الغداء يوم 2 ديسمبر، وكان غالبية القوة في معسكر ضبوة تعاني من الجوع والعطش، حينها قام العميد المسعودي بالتواصل مع أحد التجار الوطنيين، والذي بدوره دعم بسيارات هايلوكس، تحمل الغداء والماء والعصائر والبسكويت، فأكل الجميع بما في ذلك الأسرى الحوثيين، ثم جاءت سيارة تحمل القات أيضا". ويضيف الضابط: "أثناء الغداء أجرى العميد المعسودي – قائد معسكر ضبوة – اتصالات بالعقيد محمد بن محمد عبدالله صالح، نجل شقيق الزعيم، لمعرفة الخطة، لكنه لم يرد عليه، والضابط الذي قام بالرد هو العميد الركن أحمد حمود جابر، ودار بينهما حديث حول كيفية التسليح ووضع الخطط". وأشار إلى أن قائد معسكر ضبوة، أجرى اتصالات مع منزل صالح في "الثنية"، إلا أنه لم يتلقى رد، ثم أجرى اتصال بشقيق الزعيم، اللواء علي صالح الأحمر، والذي بدوره لم يكن لديه أي فكرة عن الخطة، والخطوات التالية من الانتفاضة، ليتضح لاحقا أن الجميع لم يكن لديه علم، وأنه لم يكن هناك أي تجهيز أو تنسيق بين الأطراف المؤتمرية، وأن الانتفاضة كانت عشوائية. يشير الضابط الذي كان شاهدا على تلك الأحداث، إلى أن قائد معسكر ضبوة، العميد المسعودي، توجه إلى أحد تجار السلاح، وأخذ منه ما يكفي من السلاح لتغطية احتياج القوة الموجودة داخل المعسكر، تم أخذ سلاح بالمال الذي كان متوفرا لديهم. ولفت إلى أنه بعد ذلك أجرى المسعودي اتصالا بالعميد الركن أحمد حمود جابر، الذي تمكن برفقة العشرات من الجنود من السيطرة على معسكر اللواء 89 حرس جمهوري المعروف بـ"معسكر الحفا"، في نقم، والذي لم يكن لديه أيضا أي معلومات حول خطة التحرك. وأضاف الضابط: "حينها حلّ الصمت والتفكير بكيفية تسليح الدبابات وتشغيلها والبطاريات الخاصة بها معطلة ولا يوجد لديها تموين ديزل، وكل واحد كان يطرح فكرة، ولم نصل إلى حل، والمشكلة أن الجميع كان يعتقد أن العميد مهدي مقولة كان قد وضع خطة كاملة للتحرك، كونه كان قائدا لمعسكر السواد، الذي تتوفر فيه كل الأمكانات المطلوبة". واستطرد الضابط متحدثا عن الأحداث التي أعقبت غروب شمس يوم 2 ديسمبر: "بعد غروب الشمس، تحرك العميد المسعودي للبحث عن حلول في قيادة معسكر السواد، إلا أنه عاد حاملا خبرا مدويا، وهو أن الحوثيين قد استولوا على المعسكر، وتمكنوا من القبض على كل الجنود والضباط المتواجدين فيه، بدون أن نسمع أي اشتباكات داخله". وقال الضابط الذي نحتفظ باسمه: "جلسنا نفكر في البدائل، وحينها جاء نائب قائد الأمن في معسكر السواد مجيب الجائفي، ونجل أخيه، وكان يخبرنا بأنها حصلت خيانة في المعسكر، وتم تسليمه للحوثيين، وتم محاصرة الجنود داخله، كما تم استدراج أحد القادة وقرابة عشرين سيارة قدموا معه لإسناد القوات الموالية للزعيم، إلى داخل المعسكر وتم القبض عليهم جميعها من قبل الحوثيين بعد أن استولوا على المعسكر". ولفت إلى أن الجائفي، نائب قائد الأمن بمعسكر السواد، تحرك بعد ذلك باتجاه الجائف بهمدان لجمع القبائل، إلا أن الحوثيين اعترضوه في إحدى النقاط بشارع تعز، وقاموا بقتله هو ونجل شقيقه. ويضيف الضابط: "بعد ذلك جهزنا قوة وخضنا اشتباكات ضد الحوثويين في الحارات المجاورة لمعسكر ضبوة وتم استرداد النقطة التي تم قتل الجائفي فيها، وبعدنا أمنّا محيط المعسكر، إلى أن تواصل بنا مشائخ وأشخاص يسكنون جوار المعسكر وأخبرونا بأن الحوثيين باتوا محاصرين للمعسكر من كل جانب، ولا يزالون يحشدون مقاتليهم إلى محيطه". وقال الضابط: "تأكد لنا بعد ذلك أن الحوثيين قد سيطروا على معسكر ريمة حميد، وقبضوا على العميد مراد العوبلي، وكل القوة التي كانت هناك، وحينها خاطبنا العميد المسعودي ليأخذ رأينا في الخطوة التالية، ووضعنا أمام ثلاثة خيارات، وهو القتال حتى آخر لحظة، أو البحث عن مخرج للخروج من المعسكر، أو الاستسلام، كان ذلك في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليلة الثانية من انتفاضة ديسمبر". وأضاف: "تم الاتفاق على أن يكون الخروج على دفعات، وأن يكون هناك تغطية لتسهيل خروج الجميع، وفي حال تعذر الخروج، يقاتل الجميع حتى النهاية، وقم تم تأمين ثلاثة مخارج، وتم إخلاء المعسكر بشكل كامل، حيث خرجت أنا والعميد المسعودي وبعض الضباط والأفراد، ومرافقيه، واتجهنا إلى أحد منازل أبناءه ودخلنا على متن ثلاثة أطقم، وحينها أجرى المسعودي اتصالات لكن جميع من كان يتواصل بهم كانت تلفوناتهم مغلقة، الأمر الذي أثار حزنا كبيرا لدينا جميعا". واستطرد قائلا: "فرض الحوثيون حصارا خانقا على منزل المسعودي، واتفقنا على التسليم تجنبا لإراقة مزيدا من الدماء خصوصا أن في المنزل عائلة نجله، وفعلا تم مداهمة المنزل من قبل الحوثيين، وتم اقتيادنا إلى أحد السجون وعيوننا مغطاه، ووضع كل واحد مننا في زنزانة انفرادية، لمدة أسبوع كامل ونحن لا نعرف أين نحن". وأشار الضابط الذي نحتفظ باسمه، إلى أنه بعد مضي أسبوع تم إخراجه إلى زنزانة فيها ناس كثير من سنحان وبلاد الروس، وأغلبهم ضباط من الحرس الجمهوري، منهم جمال الشحطري ابن اخت الزعيم، والذي بدوره أبلغهم بأن "صالح" قتل قبل أربعة أيام، ما أثار حزن الجميع. وأوضح أن الحوثيين كانوا يتعاملون مع المعتقلين والأسرى بوحشية لا تُنسى، حتى قاموا بنقلهم إلى معسكر 48 في السواد، وحينها تعاملوا بقليل من الاحترام معهم، وسمحوا لأسرهم بالزيارة، ثم بعد ضغوط قبلية تم الإفراج عنهم بعد قرابة شهر ونصف من السجن، وطلبوا منهم الالتحاق بصفوف القوات التي يقودها عبد الخالق الحوثي، إلا أن الكثير رفضوا والبعض قبل من أجل راتبه. وعن أساليب الاستجواب والتعذيب، أشار الضابط إلى أن الحوثيين كانوا يعقلون الأسرى على حديد، ويربطون الكلبشات بها، بحيث لا يستطيع الأسير الوقوف إلا على رأس أصابع رجليه، كما كانوا يقومون بضربهم ورؤوسهم مغطاه، وبشكل متواصل، وغيرها من أساليب التعذيب الوحشية. وأضاف الضابط: "بعض الأسرى كان يتم التعامل معهم بالكهرباء، وكانوا يستجوبونا لمعرفة مكان العميد طارق، وأين يختبئ، ومع من كنا نتواصل، وأين الأراضي والبيوت والفلل المخفية، وكذلك السلاح الأموال، ومن الذي خطط لاقتحام معسكر السواد وضبوة، وأين مخازن التسليح، وكذلك سألونا حول المشائخ المتعاونين مع الزعيم، والخلايا في صنعاء، وغير ذلك من الأسئلة المتعلقة بالأحداث التي شهدتها أيام الانتفاضة".