أوسان عثمان أبو احمد ،،، عندما يتحول الصديق الى أخ


بقلم: محمد يحيى الفقيه
في زمنٍ قلّ فيه الوفاء، وندر فيه الأصدقاء، يبزغ في حياتنا أشخاص لا يجود الزمان بمثلهم كثيرًا، أشخاص يحملون في قلوبهم صفاءً نادرًا، وفي سلوكهم طهرًا يتجلّى في كل موقف، أوسان عثمان أبو أحمد واحدًا من هؤلاء القلائل الذين إن حضروا حضر النور، وإن غابوا بقي الأثر.
أوسان ليس مجرد صديق، بل أخًا لم تلده أمي، وشريكًا للروح في تفاصيل الحياة، رجلٌ لا يُختبر معدنه في اليسر، بل يُكتشف في الشدائد، وقد وجدته كما عهدته دومًا: سندًا لا يتزحزح، وكتفًا حانية، وروحًا نقيّة.
عرفته بارًّا بوالديه، يفيض قلبه رحمة وحنانًا، لا يُضام في بيته أحد، ولا يُقصّر في حق قريب أو بعيد. ومن عرفه عن قرب، أدرك أن في قلبه من العطف ما يكفي ليعمّ أهله ومحيطه، فهو الحنون على أهله، الكريم مع جيرانه، المتواضع مع الصغير قبل الكبير.
وفي الأسحار، حين ينام الغافلون، يكون أوسان من أولئك الذين يبذلون بلا ضجيج، من المتصدقين في الخفاء، ممن يرجون وجه الله ولا يبتغون مديحًا أو ثناء. يسجد لله في ظلمات الليل، ويتضرع بخشوع الراكعين السجود، حتى تشعر أن بينه وبين ربه سرًّا لا يبلغه أحد.
ولعلّ أجمل ما يميّزه أنه لم يكن يومًا ممّن يسعون إلى الأضواء، بل هو من أولئك الرجال الذين يعملون بصمت، ويتركون بصمتهم في القلوب قبل الأماكن. لا يتحدث كثيرًا عن عطائه، ولكنك تراه في وجوه من أسعدهم، في بيوت سترها، وفي دموع جفّفها دون أن يُعرَف اسمه.
هو صاحب القلب الحيّ، الذي يتحسس آلام الناس من غير أن يُطلب، ويطرق أبواب الخير بخُطى المحسنين الصادقين، الذين لا يشترطون شهرةً ولا يعرفون رياءً. وقد رأيت بعيني كيف يتلمّس احتياجات المحتاجين في الخفاء، ويصل الأرحام كما لو كان يحمل على عاتقه وصايا الرحمة من جيلٍ إلى جيل.
وأكثر ما يدهشك فيه، هو تلك البساطة المتناهية التي يغلف بها عِظم أخلاقه. يجلس مع الكبير بتقدير، ويمازح الصغير بحنان، فتشعر أنك أمام رجلٍ خُلق ليمثّل أجمل ما في الإنسان من نُبل وسماحة وكرم.
أما في مجالسه، فتلك حكاية أخرى. لا يعلو صوته، ولا يكثر جدله، لكنه إن تحدّث أسكت من حوله بطيب منطقه ورجاحة عقله. يستمع أكثر مما يتكلم، وإذا قال، أنصف وعدل. وله في المزاح روحٌ حلوة لا تخرج عن حدود الأدب، تبعث في النفس راحة وطمأنينة.
أوسان ليس مجرد اسم في حياتي، بل هو ذاكرة ممتلئة بالمواقف النبيلة، وجدارٌ من الطمأنينة يُسندني حين تضيق الدنيا، وهو واحدٌ من أولئك القلائل الذين إن عرفتهم، شعرت أنك تملك ثروة لا تُقدَّر بثمن.
وإن كان لا بدّ للحياة أن تُفاخر بشيء، فأنا أُفاخر بأني عرفت هذا الرجل، وعاشرته، وعاينت فيه كل المعاني التي نقرأ عنها في كتب الأخلاق ونفتقدها في الواقع… إلا عند أوسان.