اليقين
الأخبار

حين تختبرك المواقف تجد رجالها ..

اليقين

بقلم - محمد يحيى الفقيه

في لحظة من لحظات الحياة التي تختبر فيها الإنسانية، اتصل بي صديق من عدن يحمل صوتُه همًّا ثقيلاً وقصة لا تحتمل التأجيل.
مسن يمني يتعالج في أحد مستشفيات القاهرة توفي في المستشفى، ولا رفيق له سوى طفل لا يتجاوز 16 عامًا، وأمل وحيد بأن تصل ابنته الكبرى لاستكمال الإجراءات من عدن، ولكن حاجز الأوضاع المالية كان أعلى من كل رغبة، وأقسى من كل نداء لدى هذه الأسرة.

تلعثمت الكلمات في حلقي ووقفت حائرًا بين وجع القصة وعجزي عن التصرف.
أنا نفسي لست في القاهرة، وأعرف أن تحريك الأمور هناك يحتاج إلى أكثر من النوايا الطيبة.
فكرت قليلًا، ثم جاءني الخاطر الذي لم يخذلني يومًا: “اتصل بحسين الحثيلي”.

أرسلت له رسالة قصيرة شرحت فيها الظرف، ولم تحتج أكثر من ساعة حتى جاءني الرد بكلمة " أبشر" استجاب فوراً ليس بالكلمات بل بالفعل .
تحرك الرجل على الفور، تابع التفاصيل شخصيًا، وأرسل مبلغ تذكرة السفر كاملة مع المبلغ اللازم لمصاريف الرحلة، ثم ظل يتابع حتى غادرت الفتاة مطار عدن.

لم يكتفِ بذلك، بل قال جملته التي لا يقولها إلا الكبار: “وأي احتياج بالقاهرة أنا موجود”.

هذا هو حسين الحثيلي كما عرفناه دائمًا:
حاضرٌ في كل الأوقات، كريمٌ بلا منّة، وسندٌ وقت المحن، لا يسأل كثيرًا، ولا يتردد أبدًا.
تعرف معادن الرجال حين يضيق الوقت وتشتد الحاجة، وتبقى المواقف وحدها الشاهد الذي لا يكذب.

وليس هذا الموقف إلا صفحة صغيرة من كتاب كبير اسمه “مواقف حسين الحثيلي”.
فالرجل حاضر بقلبه وجهده مع الجالية اليمنية في القاهرة، يدعم المرضى، يقف إلى جانبهم في معارك العلاج الطويلة، ويخفف عنهم وطأة الغربة والحاجة.
كما كان له دور مشهود في دعم المدرسين اليمنيين العاملين في المدارس الخاصة بالقاهرة، إذ قدم لهم مبالغ مالية محترمة، إيمانًا منه بأن التعليم هو معركة البناء في وجه قسوة الحياة.
لم يبحث عن ضوء، ولم يسعَ إلى شكر، بل كان يفعل ذلك كما يفعل النخيل حين يهب ثماره للناس دون أن ينتظر مديحًا أو جزاء.

حين تُذكر المروءة، لا بد أن يُذكر حسين الحثيلي.
وحين تفتش عن النبل في زمن الشح، ستجده هناك، حيث يكون العطاء خالصًا، والرجولة موقفًا، والإنسانية طريقًا لا يحيد عنه أبدًا.

الأخبار